اقرأ في هذا المقال

هذا هو الفکر الاساسي والاصیل للاخوان الا انه سرعان ما تغیّر وانحرف بعد انتصار الثورة في مصر

وکان الراي العام المصري ینتظر من القیادة الجدیدة والمتمثله بالاخوان الغاء معاهدة کامب دیفید اوعلی الاقل تعلیق العمل بها او تعدیلها.

ما اتخذه الحكم الجديد من مواقف تجاه القضیة الفلسطینیة والتقریب بین المذاهب دلیل واضح علی ابتعادهم عن المبادیء الاساسیة التي وضعها المؤسسون الاوائل لهذا التنظیم. 

 

قراءة ايرانية للاحداث المصرية-2

قراءة ايرانية للاحداث المصرية-2

د. عباس خامه يار 

 

القضیتان الاساسیتان

 

هنا قضيتان اساسيتان لابد من الاشارة الیهما، وهما من المصادیق العینیة لعدول القادة الحالیین للاخوان عن التعالیم الاولیة لمؤسسیهم:

 

القضیة الاولی: فکرة تبني الوحدة الاسلامیة والتقریب بین المذاهب:

 

ان احد اهم تعالیم وارشادات حسن البنا التي وردت في رسالته المعروفة بـ"دعوتنا" التي هي بمثابة النظام الداخلي للاخوان، هوبحث التقریب بین المذاهب، وجاء في هذه الرسالة: "دعونا نتعاون فیما اتفقنا علیه ویعذر بعضنا فیما اختلفنا فیه". هذا الموقف نابع من رؤیته الوحدویة. یعني بدلا من خوض في القضایا التي نختلف فیها، دعونا نستثمر ما نشترک فیه. وتعتبر هذه الجملة بمثابة استراتیجیة وخارطة طریق لجمیع مرشدي الاخوان علی مر الزمن.

و جدير بالذكر أنه بعد انتصار الثورة الاسلامیة في ایران اصدر علماء الوهابیة في السعودیة عدة فتاوی تحمل مواقف غیر مناسبة تجاه هذه الثورة مما ساعد علی تلبید الجو السیاسي للمنطقة. ورغم ذلک اتخذ الاخوان مواقف سیاسیة ایجابیة تعبرعن مساندتهم ودعهم للثورة الاسلامیة. وخلال الحرب العراقیة الایرانیة التي فرضها النظام العراقي السابق علی ایران الاسلامية سخرت الاجهزة الاعلامیة المعادیة والابواق المذهبیة کل طاقاتها من اجل اظهار هذه الحرب علی انها حرب عربیة- فارسیة و شیعیة – سنیة، الا ان مرشدي الاخوان انذاک اتخذوا مواقف جیدة من هذه الحرب واعتبروا العراق هو المعتدي. کما ان مواقف الفقيد المرحوم عمر التلمساني المرشد العام للاخوان انذاک کانت محمودة. وکذلک الحال في حرب تموز 2006 التي شنها الكيان الصهيوني العدواني ضدلبنان اعلن السید محمد عاکف مرشد الاخوان في حینها وعبر برنامج مباشر بث علی الهواء بانه سیضع قوة تضم عشرة الاف مقاتل تحت امرة السید حسن نصر الله امین عام حزب الله لبنان واعرب عن دعمه الکامل له.

هذا التوجه الفکري الوحدوي للاخوان ادی الی تعزيز اللحمة بین الشیعة والسنة. كما ان المبادرة التي سبق ان صدرت عن آیة الله بروجردي وآیة الله قمي في تاسیس دارالتقریب بین المذاهب الاسلامیة هو نموذج لهذه اللحمة التاریخیة.والدعوة التي وجهها الشهید نواب صفوي، خلال خطابه الشهیر الذي القاه في باحة جامعة القاهره، الی الشباب الایراني بالانتماء الی تنظیم الاخوان یاتي ضمن هذا السیاق. 

هذا هو الفکر الاساسي والاصیل للاخوان الا انه سرعان ما تغیّر وانحرف بعد انتصار الثورة في مصر واعتلاء الاخوان سدة الحکم واصبح الجو العام مغایرا بشکل کبیر للافکار والرؤی المبدئیة التي کانوا یحملونها، وراحوا یطرحون افکارا جدیدة مثل التخوف من ایران والشیعة و بالتأكيد لعبت الازمة السوریة دورا مهما في تغییر هذه المواقف والرؤی.

ان اقامة مؤتمرات وندوات عدیدة في مصر ضد الشیعة لم تکن دون تنسیق وتخطیط، کما ان مرسي حینما سافر الی السعودیة بعد انتصار الاخوان لاداء العمرة وصلاة الشکر، اقترح هناک تشکیل "ائتلاف سنّي" بقیادة اسلامیة «تحمل رایته السعودیة». 

في الحقیقة ان ما کان یهدف الیه مرسي هو تشکیل ائتلاف سني لمواجهة الشیعة. بعد ذلک اخذت تتعالی في مصر خطابات وبیانات وفتاوی شیوخ ودعاة الوهابیة المتطرفة.واخذت تطرح في الشارع المصري وبشکل علني اقاویل وادعاءات حول ما یسمی بـ "التمدد الشیعي" والوقوف امام المد الایراني والتشیّع، واصبحت هذه الدعاوی تتحول الی ممارسات عملیة ابان حکم الرئيس مرسي الذي لم یتجاوز عاما ونصف العام. واصبح مد الجسور وتطبیع العلاقات مع الصهاینة والعلمانیین والشیوعیین وحتی مع شياطين الجن والانس مقبولا، ولکن مع ایران مرفوضا علی الاطلاق!! حتي كثرت في تلك الفترة البیانات والشعارات والممارسات المعادیة لایران والشیعة و خير مشاهد علي ذلك هو استشهاد الشيخ الفاضل حسن شهادة بطريقة مأساوية.

لقد اشار المفكروالكاتب الكبير المرحوم محمد حسنین هیکل فی احدی مقابلاته المتلفزة الی هذه الممارسات مستنکرا لما یتعرض له الشیعة في مصر من قتل وسحل ونشر صور مقززة لهذه المجازر،واعتبر ذلک غریبا وسابقة خطیرة في تاریخ مصر.

 

القضیة الثانیة: القضية الفلسطینیة:

 

الموقف من القضیة الفلسطینیة کان احد نقاط قوة الاخوان طول تاریخهم، في مساندة ودعم فلسطین والدعوة لتحرير الاراضي الفلسطینیة المحتلة قبل وبعد عام 1948، وقد لعبوا دورا کبیرا في الخؤول دون تهجیر الفلسطینیین، واخذوا یفضحون ممارسات الصهاینة، کما شکلوا عدة خلایا جهادیة اضافة الی تقدیم الدعم المالي، وبعد احتلال فلسطین بعثوا مقاتلین الی الداخل الفلسطیني لمواجهة الصهاینة المحتلین، کما تصدر الاخوان طیلة سنوات قیادة المقاومة ضد اسرائیل. 

 کان العالم الاسلامي ابان الصحوة الاسلامیة وبلوغ الثورة المصریة ذروتها عاقدا آماله علی مصر بان تکون الحلقة المکملة للانتصارات التي تحققت علي اسرائيل بعد حرب تموز 2006، وکان المسلمون یتوقعون ان تبادر مصر الي الغاء معاهدة کامب دیفید وقطع ید اسرائیل عن مصر. وهذا ما کان یأمله الشعب المصري، أن الهجمات التي طالت السفارة الاسرائیلیة فی القاهرة والتظاهرات المعادیة لاسرائیل التي کانت تفض من قبل قوات الامن المصري تعبیر عن ارادة هذا الشعب الواعي. وکان الراي العام المصري ینتظر من القیادة الجدیدة والمتمثله بالاخوان الغاء معاهدة کامب دیفید اوعلی الاقل تعلیق العمل بها او تعدیلها. الا ان ماحدث لیس فقط ابقاء هذه المعاهدة کما کانت علیه بل تجاوزت ممارسات الرئيس مرسي ذلک حیث بعث رسالة الی شیمون بیریز حملها تمنیاته له بـ"السعادة وللشعب اللاسرائیلي بالرغد"، بعد ان خاطب رئیس الکیان الصهیوني بـ "الصدیق العزیز والعظیم"!!

 ان رسالة مرسي الی اسرائیل جاءت معبرة عن سیاسة وموقف الاخوان تجاه الکیان الصهیوني. واعقب الرسالة اعلان التنظیم عن رضاه بابقاء اسرائیل بمامن من الصواریخ التي تطلقها حماس، کما ان المعابر التي تمثل الشریان الحیوي الذي یمد اهالي غزة بالحیاة تم هدم اغلبها في عهد مرسي وحکومته الاسلامیة ولیس ابان حکم مبارک. الغریب هنا ان اسرائیل اخذت تعرب عن اعجابها ودعمها لمرسي بعد سقوطه وقد تناولت في اعلامها المکتوب نقاط قوته وهي اربعة :

  1. الابقاء علی معاهدة کامب دیفید. 
  2. هدم الانفاق وازالتها.
  3. ابقاء اسرائیل بمامن من صواریخ حماس.
  4. مواجهة التشیع والمشارکة في ائتلاف سمي و ائتلاف سمي إئتلاف أهل السنة.

المصدر هنا ـ (صحیفة ها آرتس الصادرة بتاریخ 4/7/2013 اي بعد یوم من عزل مرسي)

 

طبعا هنا لم تنته اخطاء مرسي، ففي احد خطاباته اعلن وبکل صراحة قطع العلاقات مع سوریا بدلا من قطع العلاقات مع اسرائیل.بعد هذه المواقف والانزلاق في المتاهات وتجاهل رغبات وتطلعات الشعب المصري ومعه الشعوب العربیة والاسلامیة، اعربت المجتمعات الاسلامية عن خیبة املها من هذه المواقف وقد وضع الکثیر من الشعوب علامات استفهام عما آلت الیه  الثورة المصریه. طبعا ان قیادة الاخوان برروا اداءهم علی نحوین:

اولا: التدرج او المرحلیة 

ثانیا: التمکین

في التدرج كان الاعتقاد السائد بان التحرک او التقدم للامام اذا صح التعبیر ینبغي ان یکون خطوة خطوة کما خلقت السماوات والارضون حیث تم ذلک بشکل تدریجي. واما التمکین او التمکن فهوالاعتقاد بأنه یجب ان یصلوا الی مرحلة یحصلون عندها علی القدرة الکافیة التي تمکنهم من ترجمة افکارهم علی ارض الواقع. لکن السؤال المهم الذي یطرح هنا هو کم تستغرق مرحلة التمكين من الوقت ؟ وهل ان العدو سیمنحهم الوقت والفرصة المناسبة حتی یبلغوا مرامهم؟

 لقد استغلت اسرائیل الوضع القائم وراحت تسرع الخطی في التهوید وبناء المزید من المستوطنات الیهودیة وتوسیع عملیات التهجیر، ولاول مرة شجرأت تل ابیب باطلاق صفة الیهودیة علی کیانها الغاصب. هذا كان نتیجة التمکین التي ارادوها للعرب والمسلمین..علی ایة حال ان ما اتخذه الحكم الجديد من مواقف تجاه القضیة الفلسطینیة والتقریب بین المذاهب دلیل واضح علی ابتعادهم عن المبادیء الاساسیة التي وضعها المؤسسون الاوائل لهذا التنظیم. وهذا الانحراف عن المبادیء هو الذي مهد الارضیة للسقوط والفشل و خلق الجو المناسب لضربهم وما لحقت بذلک من تبعات لا یمکن تلافیها.

من جانب اخر ان الاخوان وعلی الرغم من ان رسالتهم المهمة هي تطبيق الشریعة الا انهم کانوا یؤکدون علی ان بلوغ هذا الهدف یتطلب في البدایة اعداد وتاهیل الکادر. ـ يبدو ان الاخوان قد نجحوا في مجال التنظیم والاعداد الدعوي وتاهیل الکوادر ونشر القیم الاخلاقیة السامیة، حیث تمکنوا من المشارکة في جمیع الانتخابات المهنیة والنقابیة والطلابیة التي کانت تقام في جمیع انحاء مصر ويحققوا نجاحات باهرة، الا انهم في النهایة فقدوا القدرة علی ادارة المجتمع. 

 

Powered by TayaCMS