قراءة ايرانية للاحداث المصرية-1
د. عباس خامه يار
مقدمة
لقد عاشت حرکة "الاخوان المسلمین" منذ تاسیسها علی ید المرحوم حسن البنا عام 1928 والی الان احداثا مختلفة ومتباینة منها، ما أضعفَ تنظیمَ هذه الحرکة ومنها ما زادَها قوة وانتشارا وقدرةً علی البقاء، فکلُ الاحداث التي عصفت بهذا التنظیم لم تستطع القضاء علیه وازالته من الوجود.
اسمحوا لي هنا كأكاديمي ايراني محب عاش هموم الحركات الاسلامية لاسيما حركة الاخوان المسلمين و تابع تطوراتها و التقي الكثير من قياداتها خلال اكثر من ثلاثة عقود، و كان حريصاً كل الحرص ان ينقل صورة واقعية مشرقة عنها، كما حرص كذلك ان يكون جسراً و فياً دون أن يدَّعي الكمال، فالكمال لله وحده، اذن اسمحوا لي ان القي نظرة دقيقة بمنظار واقعي محاید مجرد من العواطف والاحاسیس علی التحولات ـ المحنة ـ التي مرت بها هذه الحرکة الاسلامیة خلال السنوات الاخيرة ومن ثم نقوّم اداءها ومواقفها و لربما يمكن اعتبارهذه الرؤية وجهة نظر ايرانية حريصة..، تعبر عن رأي شريحة من المثفقين الايرانيين.
ملاحظتان
هناک ملاحظتان مهمتان تتعلقان بالموضوع لابد من التطرق الیهما وهما:
الاولی: اهمیة مصر
الثانیة: موقع واهمیة حرکة الاخوان
الملاحظة الأولی: اهمیة مصر
ان مصر تمثل العمق الاستراتیجي والامني للبلدان العربیة كما ان مصر هي عقل العالم العربي وقلبه النابض.
ان مصیر مصر یحظی باهمیة خاصة لما تمتلکه من تاریخ طویل وتجارب واسعة في ادارة الدولة تمتد الی اکثر من ستة الاف سنة، بدءا من العصر الفرعوني ومرورا بالفتوحات الاسلامیة والخلافة الرشیدة وصولا الی الحکم الاموي والعباسي وحتی العثماني والفاطمي.
لقد حکم الفاطميون هذا البلد من عام 969 ولغایة سنة 1173 میلادي اي قرابة 204 سنوات لذا فان المواطن المصري یعتبر نفسه "سنيّ المذهب، فاطمي الهوی". وهذه التجارب التاریخیة للحکم في عهود وعصور مختلفة منحت لمصر لقب "ام الدنیا"، کما تعتبر من الجانب الاخر المرجعیة الدینیة والمذهبیة لقسم كبير من أهل السنة في العالم.
واذا افترضنا ان جمیع العرب بمختلف الوانهم واطیافهم ركبوا سفينة واحدة، فمن المؤکد أن أحد أهم ربانها سيكون مصریا، لذا فان جمیع العرب یعتبرون مصیرهم ومستقبلهم مرهون بمصیر ومستقبل مصر.
لقد کان لمصردور ایجابي کبیر ومصیري في قضایا العالم العربي والاسلامي، فکان دورها في المقاومة والازمات التي مر بها الشرق الاوسط فاعلا ومؤثرا. فحل قضایا الشرق الاوسط وخاصة القضیة الفلسطینیة والتقریب بین المذاهب الاسلامیة لا یتحقق بدون مصر. کما ان ایران هذا البلد الکبیر والمهم والمؤثر في المنطقة لا یستطیع تحقیق كافة اهدافه السامیة بمعزل عن مصر حرة ومستقلة ومعتدلة.
الملاحظة الثانیة: موقع واهمیة حرکة الاخوان
الملاحظة الاخری وهي تتعلق بـ "الاخوان المسلمین"، فان ما من شک ان التیار الفکري والسیاسي للاخوان یعتبر منذ تاسیس حرکتهم وحتی بدء التحولات الاخیرة في العالم الاسلامي، هو الاقدم والاکثر تاثیرا واعتدالا، کما یعتبراوسع تنظیم سیاسیة ومذهبية في العالم العربي، لذا فان التعرض لهذا التیار الاسلامي القوي والمقتدر والمهم سیترک اثرا سلبیا علی کل العالم الاسلامي. و من هنا فان هاتین الملاحظتین اضفتا اهمیة خاصة للتحولات الاخیرة التي عاشتها مصر ولا تزال تعیشها.
ولذلک نری:
1- عدم هزیمة الاخوان
اولاً: ان التحولات والاحداث الاخیرة التي شهدتها مصر لا تعني مطلقاً ان الاخوان قد هزموا وتمت تصفیتهم، لان الافکار لاتهزم، و بنظرنا فإن اكثرما تضرر من الاخوان هو الهیکل السیاسي لقد عصفت بالتنظیم الاخواني طیلة 85 عاما من عمره احداث کثیرة وخطیرة حیث واجه اغلب اعضائه التعسف والمطاردة والسجن والاعتقال وتعرض الکثیر منهم لاشد انواع التعذیب و ذاق الاخوانُ مرات عديدة مرارة الهزیمة والانکسار و ذاقوا طعم النصر والغلبة مرأت أخري.
ان الاغتیالات والمواجهات التي وقعت في عهد الملک فاروق بین النظام الملکي وتنظیم الاخوان الذي كان، حدیث التاسیس لم تزل مستمرة لحد الان. وفي عام 1956وعلی اثر المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر وجهت اصابع الاتهام الی الاخوان مما دفع بالنظام حينها الی اعتقال الکثیر من اعضاء التنظيم، کما تم عام 1966 اعدام العالم والمفکر الاسلامي الكبير سيد قطب. و عاش هذا التنظیم فی ثلاث الفترة ظروفا في غایة الصعوبة.
بعد اطلاق سراح المعتقلین شکلت مجموعة من هذه الحركه تنظیماًجدیدا اطلق علیه اسم "التکفیر والهجرة" ورفعوا شعارا "کیف یمکن لانسان ان یتعامل هکذا مع ابناء جلدته ویعرضهم لابشع انواع التعذیب..؟" وسرعان ما انتشر اعضاء هذا التنظیم التکفیري في الصحاري والجبال. و يعتبر هذا اول انشقاق حدث في تنظیم الاخوان المسلمین في مصر. بعد ذلک انبثق تنظیم جدید في مصر یسمی بـ"الجهاد الاسلامي" الذي تبنی عملیة اغتیال السادات الا انه بعد فترة قصیرة انحل هذا التنظیم. وفي حکم عهد الرئیس حسني مبارک تعرض الاخوان ایضا الی المطاردة والاعتقال حیث تم في هذه الفترة اعتقال 50 الفا من اعضاء ومؤیدي هذا التنظیم، رغم ذلک تمکن الاخوان من احکام سیطرتهم علی جمیع النقابات والاتحادات العمالیة والمهنیة والاعلامیة والطلابیة والشبابیة والمثقفین و..واصبح المنافس الاول والقوي للنظام الحاکم. وبقي التنظیم والفکر والنهج الاخواني یواصل مقاومته بکل ارادة خلال التحولات الاخیرة التی شهدتها مصر.
2- مفاجأة الاخوان بسقوط مبارک
ثانیاً: ان الاخوان تفاجاوا بسقوط حسني مبارک فلم يتوقعوا سقوطه ولم یحسبوا له حساب إن ما کانوا یتوقعونه هو ان التحولات السیاسیة والغضب الشعبي وغلیان الشارع سیرغم النظام علی اجراء انتخابات برلمانیة مختلفة عن السابق.. وسیحصلون هم علی عدد اکبر من المقاعد، وعن طریق البرلمان (وهذا هو اسلوبهم الذي کانوا دائما یلجاون الیه) سیتمکنون من المشارکة في الترکیبة السیاسیة للنظام السیاسي.هذا غایة ما کانوا یتوقعون حدوثه في ظل الظروف الاقليمه و الدولية المعاصرة. لکن سقوط نظام مبارک المفاجیء وبهذا الشکل المدوي اربکهم وأدخلهم المیدان السیاسي دون تخطیط ای برنامج عمل. لقد تمکن الاخوان بسبب تنظیمهم، واستثمارهم للتجارب السابقة من ونتیجة لتمتعهم بالصدق والنزاهة و حصولهم علی ثقة الشعب من جهة أخري تمكنوا من المشارکة بشکل فاعل في الانتخابات البرلمانیة والرئاسیة و حصلوا علی نسبة عالیة من اصوات الناخبين. واستطاع الاخوان من خلال انتخابات حرة ونزیهة حظیت بأعتراف و تأیید المنظمات الدولیة، ان یحققوا نصراً کبیراً ویکتسحوا الساحة السیاسیة في مصر.
3- بدء محنة الاخوان
ثالثاً: ان محنة الاخوان بدأت في الایام الاولی لانتصار الثورة اي بتاریخ 25 ینایر ولیس في 30 من ابریل. فی الحقیقة کانت الثورة انذاک في حالة ولادتها الطبیعیة الا ان التحالف الثلاثي، الاخوان والمجلس العسکری والولايات المتحده امریکية، حال دون تحقق هذه الولادة وعمد الی اجراء عملیة قیصریة لها حتی خرجت الثورة من الرحم ناقصة مشوهة المعالم. بعبارة اخری ان الائتلاف الثلاثي تجاهل الاخوان وابقی الترکیبة العسکریة السیاسیة المصریة السابقة قائمة ولکن بمعزل عن مبارک، كما ان الجماهیر الشعبیة التي کانت تملأالشوارع والمیادین عادت من حیث اتت، وبقیت المؤسسة السیاسیة والعسکریة والقضائیة علی عهدها السابق. ان هذا المثلث حال دون نضوج الحرکة الطبیعیة للثورة، حیث ولدت هذه الثورة منقوصة بکل معنی الکلمة والقیت في احضان جهاز الحكم السابق والعسكر ايضاً لتصبح بعد ذلک عالة علی مصر والمصریین وسببا لاسقاط الرئيس المصري حينها محمد مرسي.
ارضیة سقوط الاخوان المسلمین:
لقد واجه الاخوان مع بدء التحولات التي شهدتها المجتمعات العربیة وتحدیدا بعد انتصار الثورات في تونس ومصر، تحدیات کبیرة وحقیقیة، حیث اصیب التنظیم بارباک شدید وشرود ذهني أفقده القدرة علی تحدید العدو من الصدیق، حتي ان اجنحة التنظیم لم تعد تتحلی بالفطنة والذکاء وهذا ما حدا بقیادة التنظیم ان تنتهج سیاسات عشواية ومرتبکة. کما ان افتقار مرسي لروح الابداع سواء السیاسي او الدبلوماسي وضعف تجربته في التعاطي مع الاخرین زاد من تعقید المشهد السیاسي.
ان الخطا الاستراتیجي الذي ارتکبه الاخوان هو الموقف الذي اتخذوه تجاه الولايات المتحده الامريكية واسرائیل. فهم کانوا یعتقدون بانهم سیتمکنون من لعب دور مهم في المنطقة متقمصین بذلک دور ترکیا، متناسین بان امریکا واسرائیل لا تسمحان لمصر قویة ومقتدرة ان تظهر علی خارطة الشرق الاوسط لان ذلک سیفقدهما السیطرة علی المنطقة.
ان الحدیث عن سقوط تجربة الحكم عند الاخوان طویل وعریض ولا مجال هنا للتوسع فیه. ان هذه الحرکة کانت في بدایة الانتصار تنظر الی قدرة الثورة وهیکلیتها وقضایاها السیاسیة بحذر شدید، فاخذت تتعاطی مع کل القضایا بجدیة وحزم بدءا من حضوراعضائها في البرلمان وحتی التغییرات الاساسیة في الدستور ومشارکتهم في مجلس الوزراء ورئاسة الجمهوریة..
4- تخلی المسئولین عن مبادئهم الاولیة
رابعاً: ان المسؤولین وجناحهم السیاسي تخلوا عن مبادئهم الاولیة واهدافهم الاساسیة التي وضعها مؤسسهم وهذا ما هیّا الارضیة لهذا السقوط بيدو ـ ان الاخوان الذین حکموا مصر في تلك السنة لم یکونوا الممثلین الحقیقیین لهذه الحرکة وفکرها الاصیل. و ظهر، ولاسباب مختلفة، انحراف في النهج المبدأ للاخوان حیث ابتعد الکثیر منهم عن الاهداف السامیة للمؤ سسین الاوائل لهذه الحرکة. وهذه الظاهرة بدت واضحة في الکثیر من القضایا الهامة کالتقریب والفکر الوحدوي وکذلک قضية فلسطین. وهذه المواقف السلبیة تجاه اهم قضایا المسلمین، الحقت ضررا کبیرا بالحركه. ان عدول الاخوان عن مبادیء اساسیة في هذه الحقبة الزمئیة فاجأ العالم الاسلامي.