اقرأ في هذا المقال

أن المملكة السعودية لم تكن تريد مزاحمة فكرية لها على أراضيها من قبل فكر الإخوان المسلمين.

تولي العديد من الإخوان مناصب في السلك التعليمي والقضائي، وكذلك نشطوا في التجمعات الدعوية والمنظمات الخيرية

علاقة جماعة الإخوان المسلمين بالمملكة العربية السعودية (الاحتكاك السياسي و احتضان الجماعة)

علاقة جماعة الإخوان المسلمين بالمملكة العربية السعودية (الاحتكاك السياسي و احتضان الجماعة)

أسامة الصياد

إلى أن بدأت التصورات السياسية تحتك ببعضها البعض في ذلك الوقت، حين التقى المرشد العام للجماعة حسن البنا بالملك عبدالعزيز آل سعود بدعوة خاصة منه أثناء الحج في عام 1946، وتحدثا في شأن القضية الفلسطينية الذي كان مسيطرًا على الساحة، وقد أدلى البنا برأيه للملك بأنه لا يحبذ دخول جيوش عربية نظامية إلى فلسطين لكنه يُفضل حرب العصابات، وهو ما لاقى استحسان الملك.

ولكن لم يكن حتى ذلك الوقت أي فروع للجماعة في السعودية رغم الاتفاق الظاهري في كثير من النقاط الدعوية، وهو ما يُفهم منه أن المملكة السعودية لم تكن تريد مزاحمة فكرية لها على أراضيها من قبل فكر الإخوان المسلمين.

إلى أن بدأ الخلاف السياسي يدب بأطرافه لدى حركة الإخوان المسلمين والمملكة في الشأن اليمني بسبب الموقف المتباين من الانقلاب على الإمام يحيى حميد الدين في اليمن، وهو ما أثر على علاقة حسن البنا شخصيًا بالمملكة التي لم تسمح له بالحج الأخير له في عام 1948 إلا بعد التعهد بعدم الخطابة أو الحديث في الشؤون السياسية.

على هذا النحو لم يصل الخلاف بين حركة الإخوان المسلمين والسعودية إلى حد كبير، لكنه ظل في إطار التكامل بين حركة دينية وبين دولة قائمة على فكر ديني متقارب ولكنه ليس متماثل، ولم تدخل العلاقة إلى الإطار التنافسي بعد.

 كما يجدر الإشارة إلى أن علاقة المملكة العربية السعودية والمملكة المصرية في ذلك الوقت لم تكن على ما يرام قبيل تأسيس الدولة السعودية وبعد التأسيس، لذا كانت رؤية السعودية للعلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر المتزايدة في شعبيتها ضرورة حتمية، وسوف يظل أمر العلاقة بين النظامين في مصر والسعودية أحد المحددات الرئيسية لدرجة متانة العلاقة بين الإخوان والسعودية.

اشتد الخلاف بين مجلس قيادة الثورة الذي تزعمه عمليًا الضابط جمال عبدالناصر والذي حاول تهميش جميع مراكز القوى التي شاركت في حركة الجيش بداية من رئيس المجلس اللواء محمد نجيب الذي وضع قيد الإقامة الجبرية بعد ذلك، نهاية بالإخوان المسلمين الظهير الشعبي للحركة والذي اتخذ عبدالناصر قرارات باعتقال قادتهم ثم أفرج عنهم تحت ضغط شعبي، ثم شن عبدالناصر حملة اعتقالات ثانية بحق الجماعة عام 1954 بعد اتهامه لجماعة الإخوان بمحاولة اغتياله، تلك المحاولة التي نفت الجماعة علاقتها بها آنذاك.

جراء هذا اعتقل الآلاف من الإخوان من قبل السلطات المصرية التي تزعمها جمال عبدالناصر، وأُعدم بعض قادتهم أبرزهم القاضي عبدالقادر عودة، والشيخ محمد فرغلي، ويوسف طلعت، والمحامي إبراهيم الطيب، وقد صدر حكمًا بالإعدم على مرشد الجماعة آنذاك المستشار حسن الهضيبي لكنه خُفف إلى الأشغال الشاقة المؤبدة بعد ذلك لتقدمه في السن.

قبيل هذه المرحلة الصدامية بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة توسط الملك السعودي بين الإخوان والحكومة في مصر بعد الحل الأول للجماعة باعتبارها حزبًا سياسيًا، وبالفعل استجاب  أعضاء مجلس قيادة الثورة للوساطة بحسب ما ذكره علي عشماوي أحد قيادات التنظيم الخاص بالجماعة.

وقبيل تطور الخلافات بدرجة كبيرة كان المستشار حسن الهضيبي المرشد الثاني للجماعة في زيارة إلى السعودية عقب دعوة من الملك استقبل فيها بحفاوة، مما يعكس بقاء العلاقة بين الجماعة والسعودية في طور جيد للغاية.

عام 1957 قطعت المملكة العربية السعودية علاقتها بنظام عبدالناصر، واستفادت جماعة الإخوان المسلمين من هذه التموضعات الجديدة في المنطقة وانحازت إلى الطرف السعودي بصفته ملكية تتبنى الشعارات الإسلامية وتُعادي النظام الذي حل الجماعة وسجن أعضائها.

وجد أفراد الإخوان السعودية الملاذ الآمن بالنسبة إليهم، حيث استقبلتهم حكومة المملكة ووفرت لهم مصادر العيش والأعمال في السلك الحكومي للدولة الذين انخرطوا في تأسيسه بأنفسهم لا سيما قطاع المهنيين من الإخوان الذين اعتمدت عليهم السعودية بشكل كبير.

تولي العديد من الإخوان مناصب في السلك التعليمي والقضائي، وكذلك نشطوا في التجمعات الدعوية والمنظمات الخيرية، وبعد ذلك بدأوا في تنظيم صفوف الوافدين من مصر، مع ازدياد الدعم الحكومي السعودي لهم، الذي أوصل بعضهم إلى مناصب عليا في الدولة السعودية بالتحديد في قطاع التعليم الذين تولوا وضع مناهجه.

وفي هذه الحالة بدأ التأثير والتأثر المتبادل بين الطرفين ولا سيما من الجانب السعودي بفكره الديني ومؤسسته الدينية التقليدية "الوهابية" التي بدأت تطبع على الحالة الإخوانية، تلك الحالة التي فضلت التماهي مع الوضع السعودي الجديد بخياراته الفقهية، الأمر الذي أثر في فكر الجماعة على المستوى الداخلي لأفرادها في المملكة، وهو ما ظهرت شواهده في الممارسة العملية لدى عودتهم إلى مصر بعد ذلك.

Powered by TayaCMS