جماعة الإخوان وحمل السلاح-3
مستقبل العلاقة بين جماعة الإخوان فی العراق والجماعات الجهادية
محمد الفقي
الإخوان المسلمون في العراق
تتعدد روافد جماعة الإخوان المسلمين في العراق، وتحديدا عقب الغزو الأمريكي للعراق في 2003، بعضها أخذ شكل المقاومة المسلحة ورفع رايات الجهاد ضد المحتل.
ومرت جماعة الإخوان في العراق بأزمات مثلها مثل باقي الفروع في البلدان العربية، لناحية اتخاذ شكل المعارضة، وهو ما يدفع الأنظمة بمحاولة تقليص دور الجماعة وتحجيمه منعا للوصول للسلطة.
بدأ الإخوان المسلمون في العراق العمل العلني عام 1944، وكانت الأوضاع السياسية بالعراق في الستينيات من القرن المنصرم، وإرهاصات حدوث انقلاب عسكري تتزايد، حتى وقع في يوليو 1958، بقيادة عبد الكريم قاسم، وألغيت الملكية وأعلن قيام الجمهورية العراقية.
وفي عهد الرئيس الراحل عبد الكريم قاسم، صدر قانون تأسيس الأحزاب، وعلى إثره لجأت جماعة الإخوان إلى تشكيل حزب "الإسلامي العراقي"، ولكن رفض آنذاك، لتوافقه عليه محكمة التمييز عام 1960.
وتعرضت جماعة الإخوان في العراق، لهزة كبيرة مع قدوم حزب البعث إلى السلطة عام 1968، إلى أن جمدت الجماعة عملها مطلع عام 1970، ثم أعلن في المهجر عن إعادة إحياء الحزب الإسلامي بقيادة إياد السامرائي عام 1991.
وفي الفترة من 1970 وحتى 1991، مارست الجماعة عمل دعوي بشكل سري، وساهد في ذلك مد ديني وإقبال على المساجد من قبل الشباب.
وتشكل الاتحاد الإسلامي الكردستاني، الذي يعتبر الامتداد الكردي لجماعة الإخوان المسلمين، وبعد إقامة الحكم الذاتي في كردستان عام 1991 واستقلال هذا الإقليم إلى حد كبير عن السلطة المركزية في بغداد تولت الجبهة الكردستانية إدارة الحكم في كردستان العراق، وأطلقت في الإقليم الحياة الحزبية، فشكل الإخوان المسلمون الأكراد حزب الاتحاد الإسلامي عام 1994.
وأمام التضييقات التي تعرضت لها جماعة الإخوان المسلمين، والعلاقات المضطربة مع السلطة، لم تلجأ إلى حمل السلاح لدفع التسلط المفروض عليها، مثلما حدث في بعض البلدان العربية الأخرى من قبل فروع الجماعة.
وبدا واضحا أن الجماعة في العراق تنحي المنحى السياسي من خلال تأسيس الحزب والتأكيد عليه، دون الحاجة لحمل السلاح لرفع الضرر الواقع عليها.
الغزو الأمريكي وحمل السلاح
وكان الغزو الأمريكي للعراق في 2003، بمثابة انفراجة للجماعة، حيث توحد العمل بالداخل العراقي والخارج، واختيار مراقب جديد وهو الدكتور زياد شفيق الراوي، تبعه في 2009 محسن عبد الحميد، الذي كان يتولى رئاسة حزب الجماعة "الإسلامي العراقي".
ولعل أبرز روافد الجماعة في العراق، الحزب العراقي الإسلامي الذي أعيد العمل من خلاله بعد الغزو العراقي، فضلا عن الامتداد الإخواني في وسط الأكراد من خلال "الاتحاد الإسلامي الكردستاني"، الذي أسس حزب تابع له "الاتحاد الإسلامي"، هيئة علماء المسلمين المقربة من الجماعة، فضلا عن الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية "جامع" التي تعتبر امتداد لفكر الجماعة، فضلا عن الحديث على ارتباط حركة "حماس العراق" بالإخوان المسلمين.
وعقب الغزة الأمريكي، لجأت بعض روافد في جماعة الإخوان المسلمين إلى حمل السلاح ضد المحتل ومواجهته، وذلك في ضوء رفض الجماعة لهذا الغزو.
وبغض النظر عن مسألة الارتباط المباشر بين كتائب مسلحة تشكلت لمواجهة الغزو الأمريكي وجماعة الإخوان المسلمين، إلا أنها خرجت من رحم تلك الأفكار، وهو يعني وجود ارتباط فكري على الأقل، يسمح بالتوافق أوالتنسيق بين الطرفين، وهنا يظهر الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية، وتشكلت في مايو 2004.
وشكلت الجبهة كتائب مسلحة تحت اسم "صلاح الدين الأيوبي" لمواجهة الغزو الأمريكي، والقيام بعمليات مسلحة ضد القوات الأمريكية.
وبحسب حوار أجرى مع الدكتور عبدالله الحافظ، الناطق الرسمي باسم الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية المعروفة إعلاميا بـ "جامع"، فإن الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية، تمثل امتدادا لفكر جماعة الإخوان المسلمين في فكرها الوسطي المعتدل.
وقال في الحوار ردا على سؤال حول وجود علاقة بين "جامع" والإخوان المسلمين، "مدرسة الإخوان المسلمين لها تأثير كبير في المجتمعات الإسلامية وقد تأثر بفكرها الكثير من الشخصيات والمؤسسات سياسية و جهادية و دعوية وتربوية والثقافية وغيرها ،ونحن امتداد لهذه المدرسة المباركة في فكرها الوسطي المعتدل".
وعلى الرغم من أن الموقف العلني للإخوان عند غزو العراق كان الإدانة، ولكن شارك الحزب الإسلامي العراقي، في مجلس الحكم تحت إدارة بول بريمر الحاكم الأمريكي للعراق سابقا.
وارتبط اسم جماعة الإخوان المسلمين بأحد كتائب المقاومة المسلحة سميت وقتها "حماس العراق"، من دون وجود ارتباط رسمي.
لم تعلن جماعة الإخوان المسلمين العمل المسلح علنية، أو الدعوة إلى مواجهة الغزو الأمريكي، ولكن اكتفت فقط بإدانته ورفضه، ولكن خرجت تنظيمات من رحم الجماعة هناك، تتبنى العمل المسلح، وكانت تلك المرة الأولى تلجأ مجاميع من الإخوان إلى حمل السلاح.
وارتبط حمل السلاح في الأوساط الإخوانية، بمواجهة الغزو الأمريكية، وليس هناك سابقة في حمل السلاح لمواجهة السلطة الحاكمة.
ومع صعود الإخوان رويدا رويدا إلى المشاركة في الحكم تحت إدارة أمريكا، بدأت تروج لفكرة العمل السياسي ورفض العمل المسلح، حتى أنها دعت لعدم خروج القوات الأمريكية من العراق.
وطارق الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية في 2008، والأمين العام للحزب الإسلامي، التابع لجماعة الإخوان، أعلن رغبته في حل كل الميليشيات الموجودة على الساحة، في سبيل تقوية الجيش الوطني.
موقف الإخوان من القاعدة وداعش
نشبت خلافات كبيرة بين جماعة الإخوان المسلمين في العراق وتنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" الذي كان يتزعمه أبو مصعب الزرقاوي، على خلفية مشاركة الأول في الحكم عبر مجلس إدارة أمريكي، فضلا عن تطرف الأخير وانتهاج عمليات ذبح، ثم انتقلت المعركة مع تنظيم "الدولة الإسلامية"، وإعلانه إقامة الخلافة الإسلامية، في عام 2014.
حتى أن طارق الهاشمي، نائب الجمهورية العراقية، خلال الغزو الأمريكي، والأمين العام للحزب الإسلامي حينها، أكد أن تراجع دور المقاومة العراقية، تسبب فيه تنظيم القاعدة، وأكد أن تصرفات القاعدة أصبحت سبة على المقاومة، وذلك في حوار له عام 2008.
كما أن حركة "جامع" المسلحة التي كانت ضمن صفوف المقاومة للاحتلال، وتعرف بأنها امتداد لفكر جماعة الإخوان المسلمين، قد أعلنت رفضها لممارسات تنظيم "القاعدة"، حيث استهداف الأبرياء والمدنيين من أبناء العراق، واستباحة الدماء على الشبهات والظنون والقتل العشوائي وتكفير الناس تحت أي مسمى.
وكانت ردود قادة القاعدة في بلاد الرافدين عنيفة، وهو ما جاء على لسان اثنين من أبرز قادتها، على رأسهم الزرقاوي نفسه، وأبو حمزة المهاجر.
الزرقاوي رد على حارث الضاري، الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق، المقربة من جماعة الإخوان كما يتردد في الأوساط العراقية، حول الموقف من ذبح الأمريكات، قائلا: "أعجب عجباً لا ينقضي من موقف بعض المنهزمين من أصحاب الخور والجبن، الذين أماتوا علينا ديننا، ورضوا بالهوان، وعلى رأسهم حارث الضاري، الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق ، الذي صرح في بعض مجالسه الخاصة بأنه ما عاد يستطيع يرفع رأسه بسبب ذبح الأمريكي".
وأضاف الزرقاوي في تسجيل صوتي، "لقد كنت أظن من قبل أنك ستحفر قبراً وتنام فيه حتى يأتيك الموت خجلاً من عجزك عن مناصرة أخواتك المسلمات اللواتي انتهك عرضهن في سجن أبي غريب الذي يقع على بعد مئات الأمتار من بيتك".
ثم يأتي أبوحمزة المهاجر، أحد زعماء تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، ليوجه انتقادات كبيرة لجماعة الإخوان: "إن تاريخكم معشر الإخوان المسلمين مليءٌ بمثل هذه النكبات والكوارث، وقد جمعتنا وإيـّاكم دولٌ ومناطق، فهل وجدتمونا قط رفعنا عليكم السلاح أو بدأنا بقتالكم؟!، بل إن تاريخكم النكـد يؤكد استعدادكم التام للتنازل عن أهم ثوابت الدين لأجل الحكم، ولو كان مقعداً على باب وزارة".
ومع إعلان تنظيم "الدولة الإسلامية"، إقامة الخلافة الإسلامية، والسيطرة على مدينة الموصل وعدد من المحافظات العراقية، خرجت ردود فعل رافضة من قبل جماعة الإخوان المسلمين وحزبهم "الإسلامي العراقي"، لإدانة أعمال العنف التي يتورط فيها التنظيم.
قال الحزب الإسلامي العراقي إن تنظيم داعش الإرهابي لا زال ماضياً في تنفيذ أجندته الخبيثة ضد أهلنا الكرام في المحافظات التي احتلها منذ حزيران من العام الماضي، مؤكداً إنها دليل على رفض سكانها لهذا التنظيم الدموي ومعارضتهم إياه .
وأضاف الحزب في تصريح صحفي إن الحوادث الأخيرة المؤسفة التي شهدتها محافظة نينوى من إعدام العشرات من المدنيين أو المرشحين للانتخابات والعاملين في مختلف المجالات بل ولم تسلم منهم حتى الآثار كلها تشير إلى استفحال جرائم هذه العصابات وبشكل لا يمكن إغفاله أو السكوت عنه.
وكان لهيئة علماء المسلمين، موقف من إعلان تنظيم "الدولة الإسلامية"، "الخلافة"، ومبايعة زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي ، ودعوة "المجاهدين" إلى الهجرة لدار الخلافة في المناطق التي يسيطر عليها بسورية والعراق.
وأكّدت الهيئة أن هذه الحالة غير ملزِمة شرعاً لأحد، كما نصحت بالتراجع عن هذا الإعلان خدمة للثورة والثوار ـ على حد وصفها ـ ومراعاة لمصالح العباد والبلاد.
مستقبل العلاقة بين جماعة الإخوان وداعش
- ينطوي مستقبل العلاقة بين جماعة الإخوان وتنظيم "الدولة الإسلامية" على وجه الخصوص، إلى صدام علني بين الطرفين، واتهامها صراحة بـ "الإرهاب".
- بات الوضع بالنسبة للخلافات بين جماعة الإخوان وتنظيم الدولة الإسلامية، أشبه بصراع على قيادة السنة في العراق، خاصة مع استفادة التنظيم المسلح من هذا الحراك ضد المالكي، وإعلان عملية توسع في السيطرة على الأرض.
- يصعب إحداث تقارب بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم "الدولة الإسلامية"، في ضوء اتهامات للأخير بـ "الإرهاب"، واستباحة الدماء، والسعى لتخريب البلاد، خاصة وأن جماعة الإخوان باتت جزء من السلطة الحاكمة في العراق، عبر حزبها "الإسلامي العراقي".
- وتختلف جماعة الإخوان عن تنظيم "الدولة الإسلامية"، لناحية رغبة الأولى في إقامة دولة ديمقراطية بكل مؤسساتها، أمام الأخير فيسعى إلى التوسع والسيطرة على مزيد من الأراضي العراقية، تمهيدا لإقامة الخلافة التي أعلنها في 2014.