جماعة الإخوان وحمل السلاح-1
مستقبل العلاقة بين جماعة الإخوان فی مصر والجماعات الجهادية
محمد الفقي
المدخل
تمر جماعة الإخوان المسلمين في عدد من البلدان العربية، بأزمات كبيرة في ظل تصاعد المد الإسلامي الجهادي، خاصة بعد ما يعرف بـ ثورات الربيع العربي".
وتشهد البلدان العربية مد جهادي، وحالة نزاع شديدة بين تنظيم "القاعدة" بزعامة الطبيب المصري الدكتور أيمن الظواهري، وتنظيم "الدولة الإسلامية"، بزعامة أبو بكر البغدادي، خاصة بعد تعاظم دور الأخير وإعلانه ما يسمى "الخلافة الإسلامية".
وبعد ثورات الربيع العربي وتعثر بعضها، في ضوء المواجهات المسلحة في عدة بلدان لإسقاط الأنظمة هناك، مثل سوريا، لم تجد الجماعة أمامها للعودة إلى الساحة سوى التقارب مع جماعات مسحلة أو السعى لتشكيل كتائب هى الأخرى.
وتتناول الدراسة، مسألة وجود تقارب بين جماعة الإخوان المسلمين مع الجماعات المسلحة وإعادة تبني أفكار الجهاد وحمل السلاح، في ضوء المتغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة العربية، وتحديدا في مصر وسوريا والعراق.
وبغض النظر أن الأوضاع في العراق وتعامل جماعة الإخوان المسلمين مع الوضع هناك أقدم، من الأزمات في سوريا ومصر، إلا أنه لم يمكن الفصل في ضوء وجود عامل مشترك وهو تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي ينشط في الأساس بين العراق وسوريا.
أما الحالة المصرية، وإن كانت مختلفة عن العراق وسوريا، ولكن شهدت هى الأخرى موجة عنف متصاعدة مع الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، حينما كان وزيرا للدفاع.
وتواجه الجماعة الأم في مصر، التي تأسست على يد حسن البنا في 1927، أحد أصعب المراحل التي مرت بها على مدار تاريخها، حيث وصولها إلى السلطة من خلال فوز محمد مرسي بانتخابات الرئاسة عام 2012، ما لبث أن انقلب عليه الجيش، بعد تظاهرات رافضة له في 30 يونيو.
وفي سوريا تسعى الجماعة هناك إلى إعادة التواجد على الساحة مع قيام الثورة السورية، التي اندلعت شراراتها في مارس 2011، في أعقاب الثورة المصرية في 25 يناير 2011.
وبعد غياب نحو ثلاثين عاما على الساحة، تواجدت الجماعة في سوريا، عبر أكثر من اتجاه، الأول سياسي عبر الانضمام إلى المجلس الوطني السوري، وتأسيسي حزب "وعد"، فضلا عن التقارب مع جماعات مسلحة، وفقا لما تقتضيه الساحة.
وفي العراق، كان الوضع مختلف، فلم يسبق للجماعة هناك حمل السلاح في مواجهة الأزمات مع الأنظمة المتعاقبة، إلا بعد الغزو الأمريكي عام 2003، الذي أتاح للجماعة التواجد مرة أخرى.
ورغم رفض الجماعة للاحتلال الأمريكي، واتجاه روافد لها في تشكيل كتاب مسلحة اسموها "كتائب صلاح الدين الأيوبي"، والحديث عن وجود ارتباط مع حركة مسلحة تدعى "حماس العراق"، إلا أن حزب الإخوان "الإسلامي العراقي" شارك في السلطة تحت مجلس الحكم الذي شكلته الولايات المتحدة.
ولا يمكن إغفال استقطاب الجماعات الجهادية للشباب الإسلامي بصفة عامة والإخوان بصفة خاصة، في ضوء ما تشهده المنطقة، من خلال اللعب على وتر "الحرب ضد الإسلام".
الإخوان المسلمون في مصر
تعرضت جماعة الإخوان المسلمين في مصر، إلى ضربة قاسمة أثرت بشكل كبير على مسيرتها في مصر، عقب الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي 3 يوليو 2013.
وليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الجماعة لهزة كبيرة، حيث سبق ذلك صدام كبير مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث الزج بعدد كبير من قيادات الجماعة في السجون، بعد خلاف نشب بينهم، حول ضرورة ترك ضباط الجيش الحكم للمدنيين.
وبعيدا عن جدلية وجود تنظيم سري عسكري لدى جماعة الإخوان المسلمين في الوقت الحالي أو في أوقات سابقة، فيما يعرف بـ "التنظيم الخاص"، ولكن هذه المجموعة كانت تتبع بشكل ما أو بآخر جماعة الإخوان، في عام 1940، وكانت مهمتها تنفيذ عمليات اغتيال لعدد من الشخصيات المتعاونة مع الاحتلال الإنجليزي.
ووجهت اتهامات للجماعة باغتيال عبد الناصر في حادثة المنشية في الإسكندرية، أكتوبر 1954، وسط نفي رسمي من الجماعة حول هذه الواقعة، التي اعتبروا مجرد "مسرحية" من الرئيس الراحل حينها، في إطار الخلافات بين الطرفين، خاصة مع حل جماعة الإخوان في العام نفسه.
وفي 1964، اعتقل عبدالناصر عدد كبير من قيادات الإخوان، وعلى رأسهم سيد قطب، وأعدم عام 1966، إضافة إلى قيادات أخرى، وسط عمليات اعتقالات وتعذيب شديد.
ومع قدوم الرئيس الراحل أنور السادات، سمح لهم بالعمل مرة أخرى، ولكن سرعان مع عاد ونفذ إجراءات التحفظ في سبتمبر 1981، قبل اغتياله في أكتوبر من نفس العام.
وكانت العلاقة بين مبارك والإخوان، سمح لهم بالعمل ولكن ليس بشكل علني، وتمكنوا من المشاركة في عدد من المجالس النيابية.
وأقام عدد من طلاب جماعة الإخوان عرضا لفنون القتال في جامعة الأزهر، فيما عرف إعلاميا بـ "ميليشيات الأزهر"، واتهم فيها عدد من قيادات الجماعة على رأسهم خيرت الشاطر، وتحولت القضية إلى القضاء العسكري
واتخذ ضد الجماعة في هذه الواقعة تدريب شبابها على الفنون القتالية وحمل السلاح، في إطار عودة ما يعرف بـ "التنظيم الخاص" في أربعينيات القرن المنصرم.
وطوال فترة عبد الناصر والسادات ومبارك، لم يرتبط اسم جماعة الإخوان المسلمين في حمل السلاح أو رعاية مجموعات قتالية، إلا في قضية المنشية، وميليشيات الأزهر.
في المقابل، كانت تسعى جماعة الإخوان المسلمين إلى العمل السياسي بشكل كبير، من خلال خوض الانتخابات النيابية، والسعى نحو تأسيس حزب سياسي، قبل ثورة 25 يناير.
وبالفعل أنشأت حزب سياسي يدعى "الحرية والعدالة"، وتمكنت من حصد الأغلبية داخل المجالس التشريعية عقب ثورة يناير، ثم الفوز بمقعد الرئاسة من خلال الدفع بالدكتور محمد مرسي.
التحول التدريجي نحو خطاب العنف
تحول خطاب جماعة الإخوان المسلمين سواء الرسمي أو غير الرسمي عبر صفحات تابعة للجماعةإلى العنف بشكل تدريجي، بغض النظر عن التأكيدات المستمرة من القيادة رسميا بنبذ العنف وحسم مسألة اللجوء إلى العنف في وجه النظام المصري الحالي.
بيد أن هذا الخطاب العنيف والذي بدأ في أوساط الشباب، لم يتحول إلى عنف ممنهج وتشكيل كتائب مسلحة، أو حتى التقارب مع تنظيمات مسلحة ذات طابع جهادي ظهرت على السطح بعد الانقلاب.
ولكن ثمة عوامل دفعت إلى تبني خطاب عنيف وظهور مجموعات عنف صغيرة وقدراتها محدودة:
- استخدام خطاب عاطفي يحض على ضرورة مواجهة الانقلاب العسكري من فوق منصة رابعة العدوية.
- التقارب بين جماعة الإخوان وبعض الحلقات السلفية التي رفعت شعارات الدفاع عن الإسلام من خلال إسقاط الانقلاب على مرسي.
- المواجهة المسلحة والعنيفة من قبل قوات الأمن المصرية لتظاهرات جماعة الإخوان المسلمين التي خرجت في عدد من المحافظات، لرفض الانقلاب، وسقوط القتلى والجرحى، دفع بعض الشباب إلى حمل السلاح للدفاع عن المتظاهرين.
- عمق الأزمة الاعتقالات والتصفيات التي تتبعها أجهزة الأمن المصرية لقيادات وشباب من الجماعة.
- ظهور جماعات مسلحة على الساحة المصرية، أسفر عن استقطاب عدد من شباب الجماعة، مثل أنصار بيت المقدس، وأجناد مصر.
- نشبت خلافات بين قيادات الجماعة التاريخية والقيادة الشابة حول حدود السلمية والنهج العنيف ضد النظام المصري الحالي.
- صدور فتاوى شرعية من قبل بعض الدعاة خارج مصر، مثل بيان نداء الكنانة، مايو 2015، استخدم صيغة حادة ضد النظام في مصر، خاصة فيما يتعلق بما اسماه "الواجب الشرعي" للأمة بمقاومة السلطات، معتبرا أن مقاومة النظام المصري واجب على جميع المسلمين أياً تكن جنسيتهم.
- ترحيب جماعة الإخوان ببعض الفتاوى والتصريحات التي تحض على مواجهة النظام الحالي عن طريق الطرق السملية، ولكن في محتواها تحض على العنف.
هذه العوامل التي دفعت شباب الجماعة إلى الميل إلى العنف، حاولت القيادات التاريخية وعلى رأسهم القائم بأعمال المرشد العام للجماعة محمود عزت والقيادي بالتنظيم الدولي إبراهيم منير، التدخل في محاولة لمنع جر الجماعة إلى العنف.
ولعل الشعار الذي رفعت الجماعة مع بداية الانقلاب على مرسي وهو "سلميتنا أقوى من الرصاص"، يلخص موقف الجماعة الرسمي.
وأعلنت الجماعة، أنها حسمت موقفها من العنف والإرهاب منذ الفترة الأولى لتأسيسها، مروراً بالمراحل التي مرت بها، مؤكدةً أن السلمية من ثوابتها ولن تحيد عنها أبداً.
وأشارت الجماعة، في بيان حمل عنوان "الموقف من العنف بعد انقلاب 3 يوليو 2011"، "كان من الممكن في أية لحظة من التاريخ الممتلئ بتنكيل الحكومات المتعاقبة أن يكون هناك مبرر لتغيير نهج الجماعة، لكنها أبت وقبضت على جمر الحق".
وشددت على أنها التزمت "الخط المستقيم والنهج السلمي والنضال المدني والتدافع السياسي والتمسك بآليات الديمقراطية وخيارات الشعب.
في هذه الأثناء ومع تلاحم الأحداث، ظهرت حركات عنف ناشئة تلعن مواجهتها للنظام الحالي، مثل حركة ولع، والمقاومة الشعبية، ومولوتوف، والعقاب الثوري، وأعلنت ما يعرف بـ "السلمية الخشنة"، وهى مواجهة قوات الأمن، من خلال منع التعدي على التظاهرات وحرق سيارات، عبر سلسلة عمليات انتقامية.
وتحاول الجماعة من خلال تأكيدها على النهج السلمي، حماية شبابها من الانزلاق في العمل المسلح، وضياع وتفكك الجماعة بشكل كبير.
وفي غمار الأحداث المتلاحقة والاستهداف لقيادات وشباب الجماعة في التظاهرات ومن خلال الاعتقالات، ومع ظهور حركات شبابية ناشئة غير متمرسة في العنف، والتأكيد على العمل الثوري، ظهرت أزمة تفسير لمصطلح "الثورية".
وزاد من الأزمة داخل الإخوان، هو بيان الهيئة الشرعية للجماعة، في أغسطس 2015، حول تأصيل الشرعي للعمل الثوري، واستخدم لهجة حادة في توصيف النظام الحالي.
وظهر خلال هذه الدراسة الشرعية، تبنى الجماعة لمفاهيم الجماعات الجهادية، أو على الأقل استدعاء بعض المفاهيم التي كانت غائبة عن خطاب الإخوان، مثل توصيف ما وصفهم بـ "الانقلابيين" بأنهم أخس من الخوارج وأقبح من البغاة ، وأشد ضررا على الأمة من المحاربين لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبالتالي وجب مقاومتهم، بكل الأشكال والأنواع، لأنها فطرة ، وحق ، وواجب شرعى.
وربطت الدراسة، بين الأحكام العامة، ومراعاة الضوابط الشرعية عند التنفيذ، خاصة أن من بين مقاصد الدراسة عدم عسكرة الثورة ، وعدم استهداف الأبرياء حتى لا يتهم الثوار بالعنف، والتعريف بحق دفع الصائلين واستهداف الجناة فقط، بالإضافة إلى حماية الحراك.
وعلى الرغم من الاتهامات الموجهة إلى جماعة الإخوان بدعم العنف والإرهاب في مصر، وتحديدا في سيناء، ورعاية جماعات مسلحة مثل أجناد مصر، التي كانت تعمل في إطار القاهرة الكبرى، قبل مقتل قائدها العام وتوقف عملياتها دون أسباب واضحة، إلا أنه لم يثبت عن الجماعة التقارب مع الجماعات المسلحة، وتحديدا التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية".
لكن أزمة ظهرت بين صفوف الإخوان، خاصة بمبايعة بعض من شبابه لتنظيم "الدولة الإسلامية"، كرد فعل على مسألة عدم اللجوء إلى العمل المسلح في مواجهة النظام المصري، بعد الانتهاكات بحق الجماعة وأفرادها.
وحول وجود مجموعات مسلحة في جماعة الإخوان المسلمين بما يعرف بـ "مجموعات الردع"، يؤكد أحد شباب الجماعة، عدم وجود مثل هذه المسميات داخل جماعة الإخوان، وإنما يوجود شباب يتولون حماية التظاهرات من بطش قوات الأمن والاعتداء عليها وفضها.
مستقبل التقارب بين الإخوان والجماعات المسلحة وإعادة تبني مفاهيم العنف:
- كلما امتد أمد الصراع بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام الحالي في مصر، كلما كان شبابها أقرب إلى العنف، ومن ثم إمكانية اللجوء إلى حمل السلاح بعيدا عن جسد الجماعة الأم.
- يؤثر الصراع القائم في مصر واستمراره، تربة خصبة للجماعات المسلحة مثل تنظيم "الدولة الإسلامية"، وهو ما يمكن معه استقطاب شباب الإخوان.
- هناك تقارب فكري بين الإخوان والتنظيمات المسلحة، لناحية إعادة إنتاج استخدام المصطلحات والمفردات المتعلقة بالجهاد ودفع الصائل، وهى رائجة الاستخدام في الأوساط الجهادية.
- وتكتفي جماعة الإخوان المسلمين بانتقاد أعمال العنف التي تحدث في مصر والتأكيد على وصفها بالإرهاب، من دون توضيح الموقف العام من تنظيم "الدولة الإسلامية".
- يغلب على خطاب الإخوان التناقض من حيث التأكيد على السلمية بشكل كبير، ومع ذلك استخدام مصطلحات "العمل الثوري" وما يرتبطه من جواز مواجهة قوات الأمن المصرية.
- تحولت عبارات الإخوان في التعامل مع الصراع القائم، من "سلميتنا أقوى من الرصاص" إلى "ما دون الرصاص فهو سلمية".
- ترفض التنظيمات الجهادية جماعة الإخوان المسلمين، خاصة بعد رفعها شعار "الديمقراطية" و"السلمية" في مواجهة البطش والقمع الأمني.
- هناك فروق منهجية وشرعية تجعل من الصعب إحداث توافق بين الإخوان وجماعات جهادية، خلال أوقات سابقة.