المفهوم الدعوي والفكري في مشروع الاخوان المسلمين
قراءة في تداخل الدعوة وإدارة الدولة لدى الاخوان-2
خالد الشريف
تمهید
فی القسم السابق وصلنا الی هذا السؤال: ما هو الحد الفاصل بين “الدعوة والسياسة والقطرية” في حركة الإخوان؟
و اشرنا ان: "هذا السؤال قد يكون سببًا من أسباب ما يجري في الأردن، كذلك ما جرى سابقًا في العراق والجزائر، والآن سيبدو أكثر إلحاحًا في اليمن وليبيا. وفي الجانب الميداني تحدي يظهر سؤالًا شبيهًا يقول: لماذا نجح الجانب الدعوي في حركة الإخوان بما فاق التوقعات، بينما فشل الجانب السياسي الذي قرر الاستعجال ودخول الربيع العربي قبل أن ينضج معناه السياسي والاستراتيجي؟
لماذا دخلت حركة الإخوان الدعوية بأدواتها السياسية المتواضعة جانب السياسة قبل أن تنضج أدوات سياسية مستقلةً من قوة ومال وإعلام ورجال وفكر واستقلال الرمز السياسي؟ الخلاف في هذا الباب هو: هل “الدعوة تقود السياسة؟” أم “السياسة تقود نفسها؟”."
و فی هذا القسم نقول:
من ثوابت حركة الإخوان “الشمول”، وأنها لا تفرق إطلاقًا بين ما هو شرعي وسياسي، ورغم أن قصة ” الفصل السياسي والدعوي” فكرية إجرائية فقط، في رصد البيئة والمتغيرات، فإن بعض الإخوان يرون الفصل يجعلهم حركة علمانية... وهذا أمر خاطي لان آليات العمل الدعوي تختلف عن آليات السياسة قطعا فلتصبح جماعة الإخوان مرجعية للحزب السياسي وليس محركا له ومن هنا فإن الحديث عن “فصل الجانب الدعوي عن السياسي” في حركة الإخوان فيه مشكلة فكرية .
الدعوة .. ومأزق صدراة المشهد السياسي
وللأسف فإن غالبية الإخوان الساحقة مع أن تتولى الدعوة عامة شأن السياسة كله، نصره وانتكاساته، مناصبه وسجونه، خيره وشره، فتاويه وتصديه، أن تكون السياسة والساسة تبعًا للدعوة التي لها نظامها الخاص في اتخاذ القرار. وغالبية الإخوان كذلك على أنه لا يصح لجماعة سياسية أن تستقل برأي دون “شورى الإخوان المحلي” في أي قطر من أقطار العالم.
لو أتينا إلى الحقيقة والميدان فإن السياسة تكسب وتزداد باستقلال قرار أصحابها، وإن أصحابها “المستقلين بالقرار” سينتجون مناورات واسعة ومكاسب أكبر، لكن هل الأمر مرتبط بهذا الجانب فقط، في جانب مكسب سياسي أم في الأمر تعقيد أبعد من نظر السياسيين للحيز الذي يعملون فيه؟
ولعل بعد تجريف نظام حسني مبارك للحياة السياسية رأينا الجماعة أكبر الجماعة المؤهلة لتصدر المشهد السياسي ولما.. لا وهي أقوى تنظيم في منطقة الشرق الأوسط، وله مقومات وفكر وأتباع، وله رأس واحد من الناحية التنظيمية وهو “المرشد” بل يكفي أن ساهم شبابها بدور فعال وأساسي في نجاح ثورة 25 يناير.
وقد دخلت الجماعة المعترك السياسي وتصدرت المشهد دون اعداد او ترتيب فلم تكن مؤهلة بالكوادر وهو صرح به خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة في عند لقاءات أن الجماعة لا تملك سوى تشكيل سبعة وزارات فقط ...أيضا الجماعة لم تكن مؤهلة لفكرة التوافق والمشاركة مع الكيانات السياسية والأخرى حتى الإسلامية وبدى للرأي العام أنها تسعى للسيطرة والاستحواذ .
الرئيس وخطابه الدعوى
وكان من الملاحظ سيطرة الجانب الدعوى على الإخوان في دعايتهم خلال انتخابات الرئاسة وفي أداء الرئيس محمد مرسي حيث كان يقوم خطيبا بين المصلين عقب صلاته الجمعة واستمر أكثر من شهرين او ثلاثة بعد توليه مقاليد السلطة في البلاد حتى بدى كانه رجل دعوة وليس رجل دولة أيضا في خطابه في ايران والذي أظهر حرصه على دحضه للخطاب الشيعي بخطاب سني يعمق الطائفية وليس خطاب سياسي يرفض الطائفية .. ولم يكن تداخل الدعوة على السياسة هي سببا رئيسيا في الانقلاب على الرئيس مرسي كما أن سلبيات الإخوان لم تكن هي السبب الرئيس بل كان التآمر ووضع العراقيل أمامهم في محاولة افشالهم وشيطنتهم .. من قبل الدولة العمقية والمؤسسة العسكرية ...
استقلال السياسي عن الدعوي رغم ما فيه من “إشكال فكري” كثابت من أن الشمول مفهوم رصين، فإنه يأتي غالبًا بعد مراحل النشوء، فيبدأ نشوء السياسة ضمن قرار الدعوة وبمالها ورجالها وخبراتها، وسريعًا ما يحاول السياسيون الجدد أو الكتلة السياسية الاستقلال بالقرار مثل طبيعة كل مؤسسة، وفي بعض الأحيان يجعلون الاستقلال هدفًا ويصلون إليه بـ “الخداع مرة، وبالمغالبة أخرى، وبمعلومات مبتورة ثالثة”، كما هو مجرَّب سابقًا!
وهو ما دفع البعض للقول أن فصل السياسة عن الدعوة ربما يأتي بظواهر سلبية أنه يفتح الباب واسعًا أمام المصلحة الشخصية للأفراد، دون الأمة أو توازي المصلحتين معًا، كما يفكر معظم السياسيين، وهو أمر خطير بلا شك قد يؤثر على مصلحة الأمة التي هو وكيلها بالأساس نيابة عن الدعوة نفسها.. لكن نحن نتحدث عن سياسي تربي في محضن جماعة إسلامية على الصدق والوفاء والإخلاص ومراقبة الله .. وبالقطع نحن لا نتحدث عن شخصيات سياسية انتهازية بل ذراع سياسي إسلامي .
وان البعض يستشهد أنَّ المنسحبين تحت بند: “السياسي حر من تسلط قادة الدعوة” ثبت ميدانيًّا أنهم اقتربوا من جانب المصلحة الشخصية، وظهر ذلك جليًا مع كل انتخابات أو مع توزيع المناصب، وكيف يحصل الالتفاف على المناصب في اللحظات الأخيرة وتبديل القرارات القديمة، والمنصب ينتج مالًا وسمعة وعلاقات!!
وهذه تكون لصالح “الفرد السياسي”، وهو خطأ مؤسسي بليغ، إذ أن العلاقات والمال لصالح الأمة التي وكلت السياسي عنها وليست له، وشاهدنا أن من خرج من الأفراد أخذ هذا الاستحقاق معه “مال وعلاقات ووجاهة ” من غير أن يعيدوا ذلك للمؤسسة التي وضعتهم في مكانهم. ورب قائل منهم يقول: إنما أوتيته على جهد واجتهاد مني!! ومن قال ذلك فإنه يخالف حقائق الأمور، فلو كان وحده لما تمكن من حيازة وظيفة في جامعة أو حتى مدير لمدرسة!!
فمن أين أتى له أن يكون وزيرًا أو برلمانيًّا أو مديرًا عامًا أو نائبًا للرئيس.
بلاشك أن ظواهر سلبية يجب أن تعالج بتكوين سياسي قائمة على المؤسسية وليس الفردية والتربية الصحيحة للأفراد والكيانات ..لكن حقيقة في جماعة الإخوان المسلمين يدور حراك ونقاش جيد ومشجع حول هذه النقطة “السياسي والدعوي”، هل الأفضل أن تدار أمور السياسة في جماعة من السياسيين أم من المؤسسين الأصليين للفكرة؟
هذا الحوار ظاهرة صحية، والانتصار فيه لضبط الجانب السياسي والإيمان التام بالتخصص وان تكون المرجعية للجماعة والتي من الضروري تطوير أدواتها الدعوية وتطور أدواتها السياسية بعيدا عن التحنط والجمود.
يمكن القول إن حركة الإخوان تعيش مخاضًا ومرحلة انتقالية في الجانبين معًا، ولإن كانت الدعوة أمرها أيسر لثبات المنهج عامة، فإن الجانب السياسي مخاضه صعب، وله أدوات قبله بلا شك، فمن يذهب للسياسة فردًا يعود بالعجائب إن هذه الأسئلة العميقة تفتح بابًا للمراجعة ، ومن الطبيعي أن كل دولة وحكومة في الشرق الأوسط ستحاول اتخاذ طريقة ما للتعامل مع حركة الإخوان التي ما دخلت في انتخابات بالمنطقة إلا كانت فيها بين أول وثانٍ وثالث!
وقد اختلفت الدول في التعامل مع هذه الحركة، فلا شك أنها مصدر قوة مهول في جسد العالم الإسلامي، ومن الممكن التعويل عليها في التقليل من الأخطار المحدقة بالأمة. ولو راقبنا الأخطار التي تحيط بالعرب مثلًا أو الإسلام عمومًا، فإننا نجدها تتخذ شكلًا “دينيًّا” يصعب مواجهته من غير معالجة من جنسه، فمثلًا “إسرائيل” والقضية الفلسطينية، فإن إسرائيل تعلن دومًا أنها دولة ذات طابع ديني، وتعمل بتعاليم دينية يهودية، لذلك هل يصح الوقوف بوجهها بطريقة غير إسلامية، وأمامنا نتائج طريقة حماس و عباس، لمن مالت الأمة في وجدانها ودعمها، لعباس أم حماس.
لا بد للإخوان وكافة الحركات الإسلامية من مراجعة متأنية وعلمية للمستقبل، وأن يأخذوا وقتًا كافيًا للمرحلة الانتقالية، من أجل إنضاج أدوات ما قبل السياسة، وهي الفكر والإعلام والمال والجمهور ، مع ضرورة الاستفادة من النقد الذي يوجه إليهم، وألا تضيق صدورهم فالعقلية الناقدة المتحركة أفضل للحركة الإسلامية من العقلية الكسولة المستسلمة .
بالإضافة للعمل على الانفتاح على الآخر وترسيخ مفاهيم التوافق والمشاركة وطمأنة دول المنطقة وحكامها، وأن الحركة الإسلامية لا تمثل خطرًا أو تهديدًا لأي نظام قائم، بل بالعكس تمامًا، أنها ستكون ناصرًا ومعينًا لكل حاكم يريد الإصلاح...
" إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ".. الآية 88.. سورة هود
المراجع:
1- الفكر الإسلامي في الفكر السياسي المصري، محمد العوا.
2- الفكر السياسي للإمام حسن البنا، إبراهيم بيومي غانم.
3- أولويات الحركة الإسلامية بعد أحداث 11 سبتمبر ...للمؤلف
4- الحركة الإسلامية من الداخل ... السيد أبو داود
5- الحركة الإسلامية في مصر .. نظرة عن قرب الدكتور محمد مورو
6- أبحاث حول حركة الإخوان قسم البحوث والدراسات-الجزيرة نت
7- موقع ..إخوان أون لاين