المفهوم الدعوي والفكري في مشروع الاخوان المسلمين
قراءة في تداخل الدعوة وإدارة الدولة لدى الاخوان-1
خالد الشريف
المدخل
تعتبر جماعة الإخوان المسلمين من أكبر الجماعات الإسلامية في الوطن العربي والعالم ومن أكثر الحركات الإسلامية وضوحا للمنهج والفكر، وأكثرها اعتدالاً ويسراً...ومنذ نشأتها في عام 1928 وعرفت الجماعة على يد مؤسسها الشيخ حسن البنا أنها جماعة دعوية إصلاحية ..وتظل رسائل الشيخ حسن البنا أهم مفردات التعرف على منهج الإخوان المسلمين وعمدة نظامهم الأساسي، والتي لاتزال فعالة في نهج الحركة وفكرها.
وتربو رسائل البنا على عشرين رسالة، تناولت مواضيع مختلفة في أوقات ومناسبات مختلفة، وتشتمل على آراء ومواقف دعوية، وسياسية، واقتصادية، وتنظيمية وغيرها. كما إن إحداها تضمنت عشرين أصلاً احتفى الإخوان بها احتفاء خاصاً من حيث شرحها وتعليمها والالتزام بها.
ولعل من أهم ما في رسائل البنا هو إعطاء دعوته صفة الشمولية تبعاً لطبيعة الدين الذي تنتمي إليه، فالإسلام دين ودولة ،والوطنية حدودها أرض الإسلام والقومية تحدها تعاليم الإسلام.
فالبنا يقول في رسالة المؤتمر الخامس للإخوان: "نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة تنتظم شؤون الناس في الدنيا والآخرة... فالإسلام عقيدة وعبادة, ووطن وجنسية, ودين ودولة, وروحانية وعمل, ومصحف وسيف".
وبناء على شمولية الإسلام يقرر البنا أن دعوة الإخوان المسلمين:
دعوة سلفية: لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله.
وطريقة سنية: لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.
وحقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير.
وهيئة سياسية: لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج، وتربية الشعب على العزة والكرامة والحرص على قوميته إلى أبعد حد.
وجماعة رياضية: لأنهم يعنون بجسومهم، ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.
ورابطة علمية ثقافية: لأن الإسلام يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
وشركة اقتصادية: لأن الإسلام يعنى بتدبير المال وكسبه من وجهه.
وفكرة اجتماعية: لأنهم يعنون بأدواء المجتمع الإسلامي ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها.
وقد تكون مناهج الإخوان المسلمين.. منسجمة مع طبيعة الدعوة فهي جماعة إصلاحية كان لها فضل كبير في مواجهة التغريب والإلحاد الذي كان منتشرا خلال هذه الفترة والذي كاد أن يعصف بالأمة آنذاك حيث حافظت على الهوية الإسلامية للمجتمعات العربية وعلى رأسها مصر.
فالإخوان المسلمون جماعة من المسلمين سعت منذ قيامها لتجديد الإسلام وتحقيق أهدافها على المستوى المحلي والعالمي، مع مراعاة المعاصرة التي تعني استيعاب ثقافة وعلم العصر، والحفاظ على الأصالة والهوية.
كما تتميز مناهج الجماعة بالحرص على توفير مناعة فكرية للإنسان المسلم تحول بينه وبين الزلل أو الافتتان، أو أن تخدعه فكرة قريبة أو يجذبه تفكير غير سوي. من أجل ذلك كان من المهم أن يؤكد الإخوان المسلمون على القرآن والسنة نبعًا لمنهجهم؛ سعيًا لتكوين الإرادة القوية لدى الإنسان المسلم والوفاء الثابت الذي لا يعدو عليه تلون أو غدر، والتضحية التي لا يحول دونها طمع أو بخل.. والمعرفة بالمبادئ التي تفرق بين الأصيل والدخيل.. والصحيح والمزيف، وقبل كل ذلك الإيمان الذي يعصم من الخطأ، ويبعد عن الزلل، ويوفر التجرد والزهد، ويولد العطاء و البذل.
اختلاط السياسي بالدعوي.. وندم البنا
لكن برغم طابع دعوة حسن البنا الإصلاحي ومضمونها الدعوي تجدها مثقلة بهموم استعادة الحكم الإسلامي، مما دفعهم أن يكونوا معنيين للوصول لكرسي السلطة والحكم حيث يقول البنا في هذا إن الإخوان "لا يطلبون الحكم لأنفسهم فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله".
واعتقد أن هذا سبب خلطا كبيرا بين ما هو دعوي وما هو سياسي لدى جماعة الإخوان المسلمين
حيث أن آليات السياسة تختلف عن آليات الدعوة والفقه والخلط بينهما يؤدي لكارثة ولعل ما أورده بعض الباحثين عن ندم الأستاذ حسن البنا بعد سنوات رآها كانت على نضال واشتغل في الشؤون السياسة حيث نقل ذلك خالد محمد خالد عن الشيخ سيد سابق عن حسن البنا ، فيما تكلم به أحد رفقاء البنا رحمه في فضائية الجزيرة الإخبارية الأستاذ فريد عبد الخالق في برنامج شاهد على العصر .
كل هؤلاء قالوا بأن حسن البنا بعد الرحلة الطويلة التي كان يتكلم فيها عن الشؤون العامة والعمل السياسي آخر ما توصل إليه أنه قال :
" لو استقبلت من أيامي ما استدبرت لعدت إلى ما كنت عليه أُعلّم الإسلام وأربي عليه الناس "
وابتداء من نقطة الحكم تخوض حركة الإخوان صراعها السياسي مع الأنظمة القائمة، وتوسعت لتحقيق ذلك إضافة لأهدافها الأخرى، شكلاً تنظيمياً خاصاً، اختارت له الصيغة الدولية (أي تنظيم يمتد في أكثر من دولة في العالم) وعملت بفاعلية على مستوى العالم العربي في بعض المراحل السياسية وتركت أثرا واضحاً في بعض دول العالم الإسلامي، مما جعلها موضع خصومة أكثر من نظام عربي وإسلامي، وموضع اتهام وإساءة، وتعرضت للمنع والحظر وبخاصة التنظيم المركزي في مصر، وتعرض عناصرها أكثر من مرة للملاحقة والسجن والإعدام أحياناً.
ورغم الملاحقات والتضيق الأمني وتعرض للأذى إلا أنها وقف موقفا واضحا من التكفير والعنف فمن أبرز ما في الأصول العشرين للإخوان هو الموقف من مسألة التكفير حيث يقول الأصل قبل الأخير: "ولا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض -برأي أو بمعصية- إلا إن أقر بكلمة الكفر, أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة, أو كذب صريح القرآن, أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال, أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر".
المراجعة الحتمية للإخوان
وهذا ما يدفعنا في هذه المرحلة الفاصلة بعد الانقلاب العسكري في مصر أن نطالب الإخوان بضرورة مراجعة أنفسهم بعد بروز تبني بعد الشباب لفكرة التكفير والصدام والعنف المسلح نتيجة لانسداد الأفق السياسي وإجرام السلطة الانقلابية الغاشمة وهذا ما حدث في محنة الستينيات عقب تبنى سيد قطب لقضية الحاكمية ومع تداعيات ومآلات انتشار فكر التكفير وتبني جماعات إسلامية فكرة تكفير المجتمع في الدول الخاضعة لغير حكم الله واتهمته بأنه مجتمع جاهلي، ولهذا الأمر قام حسن الهضيبي المرشد الثاني بعد حسن البنا -أثناء فترة سجنه عام 1969- بإجراء مراجعة لفكر الإخوان الذي ظهر خلال فترة الصدام مع النظام الناصري وعلى وجه التحديد ما ارتبط منه باجتهادات سيد قطب، فأكد في المراجعة على فكر الجماعة كما استقر به الأمر إبان حياة المؤسس حسن البنا، ووفقاً للأصول العشرين، وهو عدم تكفير أي من المسلمين، وأن واجب الدعاة هو الدعوة إلى الله فقط أما الحكم بالكفر من غيره فليس إليهم، وذلك في كتاب (دعاة لا قضاة)، والمشهور أن الكتاب أعده الهضيبي بنفسه فيما ينسبه بعض قياديي الإخوان إلى لجنة أعدت لهذا الغرض.
ولم يتردد الإخوان في تخطئة سيد قطب في بعض اجتهاداته، فأرجع البعض سبب ذلك إلى ظروف السجن وهول التعذيب الذي تعرض له، وأنه كسائر البشر يصيب ويخطئ وأخطأ في بعض اجتهاداته، والبعض الآخر قال إنه أسيء فهم الرجل بسبب بعض العبارات التي توهم غير ما يعتقده حقيقة.
ويظهر الإخوان حرصاً على الاستفادة من مؤلفات سيد قطب ولكنهم يشددون على التزامهم بالمنهج الذي أرساه البنا في تقديم الإصلاح والنصح للأمة، وهو ما استقر في كتابات بعض شيوخهم المعاصرين من أمثال الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ فيصل مولوي.
ولعل أحد أهم أسباب هذا التفوق التنظيمي الظاهر هو “إيجابية التربية” لدى جماعة الإخوان ووسطيتها واتزانها في علاقتها مع الناس والبيئة من حولها، فهي منضبطة بمنهج فكري وسلوكي بعيد عن التطرف والغلو الذي تعج به المنطقة حاليًا، وفكر الإخوان يجعل الأفراد والأسر والمجتمعات يتمتعون بقابلية الاستمرار مع الحياة وضبط إيقاعها.
ومن أسباب هذا التفوق التنظيمي الظاهر هو وجود “مكتب الإرشاد” الذي كان رابطة العقد لحل بعض النزاعات، وهو مركب جيد من عقول كبيرة وخبيرة ومتخصصة لحفظ التناغم بين ما هو دعوي وما هو سياسي.. وان كان حدث شرخ كبير في الأونة الأخيرة بين شيوخ الإخوان بمكتب الإرشاد والشباب لاختلاف الرؤيا حول الازمة الحالية.
لكن يبقى من صفات تنظيم الإخوان أنه يترك لكل قطر حرية العمل التامة، ولا يتدخل مطلقًا في قرار الدول محليًّا، فتجد دولة مثلًا لا ترى في إيران خطر أول، ودول أخرى ترى ذلك، وهذا نابع من طبيعة العلاقة بين ملفات هذه الدول وآلية العمل المحلي. لا يشمل ذلك بطبيعة الحال قضايا الأمة الكبرى مثل: “الانتصار للقضية الفلسطينية” أو “نصرة الإسلام ونبي الرحمة” فإن الإجماع عليها معقود، ويلتزم به الجميع.
ما حصل مؤخرًا مع إخوان الأردن ورغم ما فيه من إثارة لقضية منطقية، فإنه فرصة جيدة لفتح نافذة فكرية ومراجعات في جسد هذه الجماعة نفسها سيحتاج هذا التنظيم الواسع لاحقًا إلى الإجابة عن سؤال يتردد صداه في كل قطر من الأقطار حاليًا، يقول هذا السؤال: ما هو الحد الفاصل بين “الدعوة والسياسة والقطرية” في حركة الإخوان؟
هذا السؤال قد يكون سببًا من أسباب ما يجري في الأردن، كذلك ما جرى سابقًا في العراق والجزائر، والآن سيبدو أكثر إلحاحًا في اليمن وليبيا. وفي الجانب الميداني تحدي يظهر سؤالًا شبيهًا يقول: لماذا نجح الجانب الدعوي في حركة الإخوان بما فاق التوقعات، بينما فشل الجانب السياسي الذي قرر الاستعجال ودخول الربيع العربي قبل أن ينضج معناه السياسي والاستراتيجي؟
لماذا دخلت حركة الإخوان الدعوية بأدواتها السياسية المتواضعة جانب السياسة قبل أن تنضج أدوات سياسية مستقلةً من قوة ومال وإعلام ورجال وفكر واستقلال الرمز السياسي؟ الخلاف في هذا الباب هو: هل “الدعوة تقود السياسة؟” أم “السياسة تقود نفسها؟”.
...متواصل ان شاء الله.