كيف عالج الإمام الخميني القطبيات الثنائية المعرفية (السلفية والاجتهاد، الفلسفه والعرفان و الفقه، التكفير)
حسن رحیم پور ازغدی
ما ذهب إليه البعض من إثارة القطبية الثنائية بين الفقه والتجدد والانحياز إلى أحدهما، فلا وجه له. فهؤلاء إما أصيبوا بفوبيا الغرب ومحاربة التكنولوجيا والحداثة، واتجهوا إلى السلفية بمعنى الرجعية والعودة إلى الوراء والتحجر في الزمان والمكان. وهذا ليس صحيحا. وإما ابتدعوا في الدين وغيّروا الأحكام ونسخوا بعض الأحكام الإلهية وألغوها عمليا، هذا ليس صحيحا أيضا. بل هناك طريق وسط وهو تطبيق ما نقدر عليه من الأحكام الإلهية بالإضافة إلى الاجتهاد الصحيح من دون تعطيل الاجتهاد ومن دون الاعتماد على الاجتهادات غير الصحيحة. وكما عبّر الإمام الخميني: إننا مأمورون بأداء التكليف لا تحقيق النتيجة. النتيجة المنشودة تتمثل في رضا الله والسير إلى التوحيد وتحقيق العدالة الاجتماعية ونحن نخطّط ونقوم بواجبنا لتحقيق هذه النتيجة ونبذل جهودنا، أما نجاحنا في هذا الطريق فهو مرهون بقدراتنا. وعلى هذا فإننا أصوليون واقعيون وبراغماتيون. ويمكن الجمع بين هذه الصفات في المفهوم الشيعي للاجتهاد و في ظل تعاليم رسول الله وأهل بيته.
التحدي الثاني يتمثل في قضية الاجتهاد والنص. فهذه مسألة خلافية بين علماء أهل السنة ويوجد مثل هذا الخلاف في الأوساط الشيعية أيضا. فالأخباريون الشيعة يقولون بنفس ما يقول به أهل الحديث في أوساط أهل السنة والحنابلة ولكن الفرق في مصادرهما، أما الأسلوب فهو واحد. قال الإمام الخميني إن السلفية بالمعنى الصحيح هي العودة إلى الأصول وليست العودة إلى الوراء. والجمع بين هذا النوع من السلفية والاجتهاد والتجدد أمر ممكن، بل إنه السبيل الوحيد لتحقق هذا النوع من السلفية. وبما أننا كشيعة انفتحنا على الاجتهاد والخلاف بين العلماء وبما أنه لاينبغي النظرة التعبدية إلى آراء أحد إلا ما صدر عن رسول الله وأهل بيته، لذا فعلى الرغم من أن الإمام الخميني كان يهتم بالكتاب والسنة والعترة وكان يحترم قواعد الاستظهار والفهم الصحيح للنص الشرعي، إلا أنه كان يحذّر من الاجتهاد عن طريق الاكتفاء بأسلوب التعبد غيرالعقلاني بظواهر الألفاظ. وكان يرى أنه ليس كافيا لتأسيس الحكومة. كما أنه كان يحذّر من الابتداع والأفكار الهَجينة ومن الذين يتلاعبون بأحكام الشريعة بحجة التجدد.
لقد اقترح الإمام الخميني نهضة الاجتهاد الأصولي لبناء الحضارة في العصر الجديد وعمل على تحقيقها بقدر الإمكان.
وكذلك فيما يتعلق بالتقليد والتجدد. فلاينبغي أن نتّبع القوالب النَمطية والقشرية والظاهرية كما لاينبغي أن نُصاب بنزعة التغريب والإيمان بالغرب. لقد أكد الإمام أن الحكومة الإسلامية لاتمت بصلة إلى الغرب، نحن لانتلقى الدروس من الغرب. ولكن فيما يتعلق ببعض الأساليب والصيغ والموقف الذي نتخذ منها، فهذا من القضايا التي يتم مناقشتها في الاجتهاد السياسي وسوف نشير إليها عند الحديث عن الحكومة والسياسية.
وهناك خلاف آخر وهو خلاف قديم دار بين الفيلسوف والعارف والفقيه. هذا الخلاف يتمثل في قضية الظاهر والباطن وقضية النص والتأويل. فمن جهة كانت هناك نزعة ظاهرية وتحجر فكري لدى المنتسبين إلى الفقه ومن جهة أخرى كانت هناك انحرافات باطنية لدى المنتسبين إلى الصوفية ومن جهة ثالثة كان هناك جمود ذهني لدى المنتسبين إلى الفلسفة. وكل ذلك خطر وتهديد. ولكن ليس الحل هو طرد الفقه أو الفلسفة أو العرفان. لايحق لأحد منهم أن يكفّر الأخر. ويجب محاربة الخرافات والشرك المعنوي ورياء المتشرعة والجمود العقلي والذهني اليونانية.
ولكن الإمام الخميني له شخصية جمعت بين الفقه والفلسفة والعرفان. فقد كان الإمام الخميني مرجعا فقهيا وأستاذا كبيرا في الفقه، كان فقيه ومجتهدا عظيما وكان مرجع تقليد. كما كان من أصحاب العرفان النظري والعملي والسلوك الروحاني. وكان كذلك فيلسوفا عظيما ومُنظّرا في الفلسفة الصدرائية.
القضية التالية تتمثل في علاقات المذاهب المختلفة. إن التجربة الشيعية الإيرانية للثورة الإسلامية تُعتبر أول حكومة إسلامية في العصر الجديد، ونتمنى أن تنجح بقية الدول الإسلامية في تأسيس حكومات إسلامية.
هذه القضية تتناول التكفير أو التقريب وطبيعة العلاقات التي يُكوّنها الشيعة مع سائر المذاهب الإسلامية في ظل الحكومة الإسلامية. لايسمح الإمام الخميني والثورة الإسلامية ودُستور بلادنا والفقه الشيعي بتكفير الطوائف الإسلامية الأخرى التى تظن نفسها على حق.
تكفير نظري، بمعنى أن يقال بأن عقيدة أو رأيا معينا يبتعد عن التوحيد ويبتعد عن المفاهيم الإسلامية، وهذا خلاف نظري ولابد أن يتم مناقشته بين العلماء دون غيرهم. يجب أن يناقش العلماء هذه القضية بطريقة موضوعية وفي جو علمي هادئ وبالاحترام المتبادل وبالاعتماد على الأدلة العلمية.
أما التكفير الفقهي ولاسيما التكفير السياسي والعملي وهو الذي يُشعل فتيل العنف ويؤدي إلى اقتتال المسلمين وإضعاف الأمة الإسلامية ويثير التفرقة بين أبناء الأمة ويعزّز موقف الكفار، فلاشك في أنه خيانة.
إن الحل الذي قدّمته الجمهورية الإسلامية لمعاجلة هذا الأمر يتمثل في عدة أمور. أولا يجب أين يكون دستور كل بلد موافقا للمذهب الذي يشكّل الأغلبية هناك، وينبغي أن تتبع الأقليات أي سائر الطوائف الإسلامية وحتى غير الإسلامية، يجب أن تتبع قوانينها الخاصة في الحقوق الفردية والمعاملات الخاصة والعبادات. كل واحدة من الأقليات الدينية والمذهبية تتبع أحكامها والطوائف غيرالإسلامية تتبع أحكام دينها. وفيما يتعلق بالدعوة والترويج لسائر المذاهب في أي مجتمع، فهذا موضع نقاش في كل الدول وفي هذا المجال لابد أن نتبع الطريقة الصحيحة ونراعي الأولويات والأهم والمهم، ويجب أن يتم ذلك عن طريق الحوار العلمي والموضوعي.