نظريات الدولة في أيديولوجيا الإخوان المسلمين
محمد عفان
نموذج الدولة في أيديولوجيا حسن البنا:
بشكل عام، تبنت جماعة الإخوان المسلمين - باعتبارها حركة إسلامية حداثية – نموذجا للدولة الإسلامية أكثر مواءمة وتكيفا من الأفكار السياسية الإسلامية التقليدية والمحافظة، وذلك بالخلط بين الموروث الإسلامي التقليدي والأفكار السياسية الغربية الحديثة.[1] ولكن يمكن الزعم أن الإخوان المسلمين تشتمل على عدة ايديولوجيات وليست واحدة، فقد أدى انتشار الإخوان المسلمين في دول عدة لها سياقات مختلفة إلى ظهور نسخ متعددة من أيديولوجيا الإخوان: النسخة الاشتراكية لمصطفى السباعي، المراقب الأول للإخوان المسلمين في سوريا، والنسخة الراديكالية لسيد قطب، ثم لاحقا، النسخة الليبرالية الديمقراطية للقيادي التونسي راشد الغنوشي. وفي هذه الدراسة، سوف نهتم فقط بنسختين من أيديولوجيا الإخوان المسلمين: الأيديولوجيا الأولية لمؤسسها حسن البنا، وتلك التي تبناها سيد قطب المنظّر الأكثر تأثيرا للإخوان المسلمين بعد مؤسسها.[2]
نموذج الدولة في أيديولوجيا حسن البنا:
لم يكن حسن البنا عالما شرعيا تقليديا، كما أنه لم يكن منظّرا محترفا أو مفكرا سياسيا كما كان سيد قطب،[3] بل هو بالأساس كان تنظيميا بارعا وقياديا كارزميا،[4] ومع ذلك، فإن إسهامه الأساسي في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر هو تعريفه المميز لمبدأ شمولية الإسلام، وهو التعريف الذي ذكره في رسالة التعاليم في واحدة من أكثر أقواله ذيوعا:
"الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا، فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة، سواءً بسواءٍ"[5]
ولأن فكرة شمولية الإسلام كانت الفكرة السياسية - الدينية المحورية للبنا، فقد قام بتأسيس جماعته وفق هذه القاعدة، ففي رسالة "الإخوان المسلمون تحت راية القرآن" كتب:
" أيها الإخوان المسلمون ...
بل أيها الناس أجمعون ...
لسنا حزباً سياسيا، وإن كانت السياسة على قواعد الإسلام من صميم فكرتنا..
ولسنا جمعية خيرية إصلاحية، وإن كان عمل الخير والإصلاح من أعظم مقاصدنا..
ولسنا فرقا رياضية، وإن كانت الرياضة البدنية والروحية من أهم وسائلنا..
لسنا شيئا من هذه التشكيلات"[6]
عوضا عن ذلك، فقد أعطى البنا الإخوان المسلمين تعرفا شاملا ووصفها بأنها دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية وشركة اقتصادية وهيئة اجتماعية.[7] ثم وضع لهذه الجماعة الشاملة متعددة الأوجه أهدافا محددة:
- بناء الفرد المسلم الذي يتمتع بـأنه قوى الجسم ، متين الخُلق ، مثقف الفكر ، قادرا علي الكسب ، سليم العقيدة ، صحيح العبادة ، مجاهدا لنفسه ، حريصًا علي وقته ، منتظما في شئونه ، نافعا لغيره.
- بناء الأسرة المسلمة باختيار الزوج أو الزوجة الصالحة، وتربية الأولاد تربية إسلامية
- بناء المجتمع المسلم
- بناء دولة الخلافة الإسلامية
- أستاذية العالم بالإسلام[8]
بشكل واضح، كان البنا يستهدف تأسيس دولة إسلامية، إلا أنه اتبع استراتيجية تدريجية (من أسفل إلى أعلى)، معتمدا بالأساس على التربية والبرامج الاجتماعية الواسعة،[9] وقد نص البنا على أن الحكومة من أحد وسائل الأخوان المسلمين، وأنهم سوف يسعون جاهدين أن يأخذوها من أيد الحكومات التي لا تلتزم الشرع، لكن الإخوان أكثر حكمة من أن يتقدموا لمهمة الحكومة ومازالت أرواح الأمة في الحالة التي هي عليها، وأنه يلزم أن تمر فترة قبل ذلك تنتشر فيها مبادئ الإخوان.[10] فالبنا استراتيجيا كان يعطي الأولوية للدعوة حتى يغرس مبادئ الإخوان المسلمين في الجماهير أولا،[11] وحتى يحقق هذا الهدف قام البنا بالسعي لتجنيد الأعضاء عضوا عضوا، وبناء جمعية خيرية، ورابطة رياضية، وحركة مناهضة للاستعمار في مؤسسة واحدة وربطها بتنظيم محكم وعلاقة وثيقة بين القائد وأتباعه.[12]
وبالرغم من أن البنا يرى أنه لا يوجد نظام سياسي إسلامي محدد، إلا أنه يعتقد أن الدولة هي ضرورة أساسية في أي نظام إسلامي، لأنه لا يوجد في الإسلام فصل بين الدين والدولة، وقد حدد البنا لهذه للدولة الإسلامية أربع صفات عامة:
أولا: أن القرآن يجب أن يعد دستورها الأساسي، الذي تستقى منه كل التشريعات، والمصادر الثانية للتشريع تشمل السنة النبوية وممارسات الخلفاء الراشدين.
ثانيا: أن الحكومة لا يجوز أن تكون أتوقراطية (استبدادية)، لأنها يجب أن تعمل وفق مبدأ الشورى، كما ورد في القرآن الكريم "وأمرهم شورى بينهم" (سورة الشورى: آية 38)
ثالثا: أن الحكام لا يتمتعون بسلطة مطلقة، بل هي مقيدة بأحكام الشريعة وبإرادة الأمة كما يعبر عنها قادتهم والعلماء منهم (أهل الحل والعقد)
رابعا: أنه لا يوجد نمط محدد وثابت للدولة الإسلامية، بل من الممكن أن تتواجد أنماط مختلفة ما دام لها نفس الجوهر.[13]
وهكذا يظهر نموذج البنا للدولة الإسلامية ميلا ديمقراطيا، فكما ذكر في رسالة "نظام الحكم" أن أحد دعائم الحكم الإسلامي هو مسؤولية الحاكم وحق الأمة في مراقبته بدقة، وأنه على الحاكم أن يستشير الأمة ويحترم إرادتها، بل وقد رأى البنا أن النظام البرلماني هو النظام الأكثر ملاءمة لتطبيق مبدأ الشورى الإسلامي،[14] ولكن، على جانب آخر، يرى بعض الباحثين أن البنا لم يكن بحق من أنصار الديمقراطية كما يظهر، فبالرغم من موقفه الإيجابي من المبادئ الدستورية والنظام البرلماني، إلا أن موقفه كان سلبيا من التعددية الحزبية،[15] والتي تعد صفة لازمة للنظم البرلمانية، بل واعتبرها معادية لروح الوحدة التي حض عليها القرآن الكريم،[16] وأيضا فإن مفهوم البنا للتمثيل النيابي يختلف عن المفهوم الديمقراطي الغربي التقليدي، بل هو يعود إلى المصطلح التقليدي لأهل الحل والعقد، والذين – كما وصفهم – يشتملون على أنماط ثلاثة: العلماء، والتكنوقراط، وكل من كان له دورا قياديا في المجتمع من رؤوس العائلات وشيوخ القبائل.[17]
[2] Ana Belén Soage, “Hasan al-Banna And Sayyid Qutb: Continuity or Rupture?” The Muslim World, 99 (2009): 294.
[3] Mohammed Ayoob, The many faces of political Islam: religion and politics in the Muslim world (Singapore: NUS Press, 2008), 70.
[4] Mona El-Ghobashy, “The Metamorphosis of the Egyptian Muslim Brothers”, International Journal of Middle East Studies 37 (2005): 373.
[5] حسن البنا، مجموع الرسائل، دار الطباعة للدعوة والتوزيع والنشر، الاسكندرية، 1990، ص: 390
[6] المصدر السابق، ص: 121
[7] Nazih Ayub, Political Islam: Religion and Politics in the Arab World (London: Routledge, 1991), 100.
[8] Ayyan Ali, “Will the Muslim Brotherhood Succeed Where Osama Failed?”, New Perspectives Quarterly 28, 3 (2011):19 – 22.
[9] Tariq Ramadan, “Democratic Turkey Is the Template for Egypt’s Muslim Brotherhood”, New Perspectives Quarterly 28, 2 (2011):42.
[10] Ayub, Political Islam, 100.
[11] Soage, “Hasan al-Banna And Sayyid Qutb: Continuity or Rupture?”, 303.
[12] El-Ghobashy, “The Metamorphosis of the Egyptian Muslim Brothers”, 374.
[13] Paul Salem, Bitter legacy: ideology and politics in the Arab world (Syracuse, N.Y.: Syracuse University Press, 1994), 121.
[14] البنا، مجموع الرسائل، ص: 233،239.
[15] Abdelilah Belkeziz, The state in contemporary Islamic thought: a historical survey of the major Muslim political thinkers of the modern era (London: I. B. Tauris, 2009), 128.
[16] Soage, “Hasan al-Banna And Sayyid Qutb: Continuity or Rupture?”, 301.