جماعة الإخوان وحمل السلاح-2
مستقبل العلاقة بين جماعة الإخوان فی سوریا والجماعات الجهادية
محمد الفقي
جماعة الإخوان في سوريا
وجدت جماعة الإخوان المسلمين، فرصة سانحة للعودة وتصدر المشهد مرة أخرى في سوريا، بعد انقطاع دام لقرابة الثلاثين عاما في المنفى، منذ 1980، إبام حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، من خلال المشاركة بقوة في إزاحة النظام الحالي.
لم تجد جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، سبيلا لوضع موطأ قدم جديد لها على الساحة، إلا في ضوء تبنى مفاهيم حمل السلاح لمواجهة النظام السوري برئاسة بشار الأسد، فضلا عن إحداث نوع من التقارب مع الكتائب والتنظيمات المسلحة، التي ظهرت في أعقاب مواجهة القوات النظامية التابعة لبشار.
ومع مواجهة القوات النظامية للحراك الشعبي السلمي، دفاعا عن نظام الأسد، بشكل عنيف، تحولت الثورة السورية من سلمية إلى مسلحة، عبر بعض التنظيمات والكتائب التي ظهرت، وكانت جماعة الإخوان تؤيد هذه الخطوات.
وقبل الثورة السورية واشتعال الصراع المسلح بين بشار الأسد والكتائب والجماعات التي تشكلت بتأييد من جماعة الإخوان المسلمين، قادت الأخيرة محاولات سياسية لتغيير النظام سلميا من خارج سوريا.
ولم تفض محاولات جماعة الإخوان المسلمين وبعض المعارضين لنظام بشار الأسد، إلى التغيير السياسية السلمي، إلى أي شئ، في ظل عدم ترحيب الأسد بهذه المحاولات.
وفي مايو 2001، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين، عن مشروع "ميثاق شرف وطني للعمل السياسي في سوريا"، عُرض خلال مؤتمر المعارضة السورية في أغسطس 2002 في لندن، وفي العام 2005، أيدت الجماعة إعلان دمشق للتغيير الديموقراطي، الذي ضم مجموعة من القوى والشخصيات السورية المعارضة.
كما شاركت في 2006 بتأسيس "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة في المنفى مع نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام، في مؤتمر عقد في بروكسيل بمشاركة عدد من القوى الوطنية السورية المعارضة ودعا إلى تغيير النظام سلميًا. وانسحبت منها في 2009 بدعوى أنها عاجزة عن تلبية متطلبات المشروع الوطني.
وكان لجماعة الإخوان جذور تاريخية في حمل السلاح، من خلال ما سمى بـ "الطليعة المقاتلة"، وبغض النظر عن انشقاق تلك المجموعة عن الجماعة أم لا، فإنها انتهجت العمل المسلح ضد نظام حافظ الأسد في 1979.
وقتلت المجموعة المسلح 83 ضابطا علويًا في مدرسة المدفعية العسكرية في حلب، ومعه أصدر حافظ الأسد، القانون الرقم 49 في العام 1980، حيث حظر الجماعة وإعدام كل من ينتمى إليها.
وشن النظام السوري في فبراير 1982 ، حملة عسكرية على "الطليعة المقاتلة" في مدينة حماة، قتل فيها ما بين 10 آلاف و 25 ألفًا من سكانها.
مع اندلاع شرارة الثورة، وانتقالها من السلمية إلى المسلحة، لم تسارع جماعة الإخوان المسلمين إلى مسألة إعلان تأييد العمل المسلح، ولكن سبق ذلك، رؤية خاصة بها للعمل حول مستقبل سوريا، في مارس 2012.
وأصدرت الجماعة في 25 مارس 2012، وثيقة "عهد وميثاق"، حيث حاولت من خلالها تحديد الأطار العريض لسوريا بعد إسقاط النظام الحالي، حيث بناء دولة مدنية حديثة ديمقراطية تعددية. من خلال نظام جمهوري نيابي يختار فيه الشعب الممثلين والحكام عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة.
وتمثلت أبرز نقاط التقارب مع الجماعات المسلحة وإعادة تبني حمل السلاح:
- إعلان المجلس الوطني السوري-يضم الإخوان-، عن التنسيق مع الجيش السوري الحر، في يناير 2012، وهو ما يعني الموافقة بشكل كامل على حمل السلاح في مواجهة النظام السوري ومؤيديه.
- أعلنت جماعة الإخوان المسلمين، بشكل واضح وصريح تشكيل هى الأخرى كتائب خاصة بها، وهو ما جاء على لسان الناطق الرسمي باسمها في سوريا وعضو المجلس الوطني السوري، ملهم الدروبي، في أغسطس 2012، وتتبع الجيش الجيش الحر وتنسق معه.
- تأكيد المراقب العام السابق لجماعة الإخوان في سوريا محمد رياض الشقفة، على تواصل قادة الكتائب من "أصحاب الفكر الوسطي المعتدل"، مع الجماعة لتأكيد ولائهم لها، إلا أن الجماعة أكدت لهم عدم رغبتها في تشكيل كتائب خاصة بها، ونصحتهم بتشكيل تجمع يحمل اسم هيئة دروع الثورة.
- في أغسطس 2015، أبدت الجماعة رغبتها في خلق فرصة للتكامل السياسي والعسكري بينها وحركة أحرار الشام، وهو ما جاء على لسان المراقب العام الحالي محمد حكمت وليد، حيث أكد على وجود قواسم مشتركة وأرض خصبة للتعاون ما بين الطرفين، وحركة أحرار الشام هى كتائب مسلحة في الأساس.
- في أكتوبر 2015، أعادت الجماعة تبنى مفاهيم الجهاد، حيث دعت "الجهاد" ضد ما وصفته بـ "الاحتلال الروسي السافر لسوريا" معتبرة ذلك واجباً شرعياً على كل قادر على حمل السلاح.
في موازاة ذلك، لم تبد الجماعة موقفا واضحا من بعض الجماعات التي تنتمي إلى السلفية الجهادية، مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" أو "جبهة النصرة" التي ترتبط تنظيمات بتنظيم القاعدة.
كما لم تتدخل الجماعة بشكل كبير في الخلافات والاقتتال الداخلي بين الفصائل المسلحة، بين جماعة "الدولة الإسلامية" من ناحية، و"النصرة" أو حتى أحرار الشام أو الجبهة الإسلامية.
بل كان لموقف الجماعة الرافض للتدخل الدولي لمواجهة "الدولة الإسلامية"، من خلال التحالف الدولة الي تقوده الولايات المتحدة، صدى كبير لدى قوى المعارضة السورية.
وجاء رفض التدخل ضد "الدولة الإسلامية"، على لسان رئيس المكتب الإعلامي للجماعة، عمر مشوح، الذي قال "لن يسعنا الوقوف صمتا أمام أي اعتداء من التنظيم، فمن حقنا الدفاع عن أنفسنا وثورتنا ومكتسباتها، لكن معركتنا الأولى معه فكرية".
وأضاف مشوح: "نحن نفرق بشكل واضح بين طبقة من داعش مغرّر بها، يمكن أن تعود إلى جادة الحق، وبين طبقة لها أجندات خارجية تعمل على تحريف مسار الثورة وتتبنّى فكرا تكفيريا، فهؤلاء، معركتنا معهم تتعدّى الفكرية حتى نستطيع كفّ شرهم"، العرب.
كما اكتفت جماعة الإخوان المسلمين بإدانة تفجير فرنسا، دون أن تذكر اسم تنظيم "الدولة الإسلامية" صراحة، في محاولة منها من عدم استعدائه لها.
في مقابل التقارب والدعم لحمل السلاح في سوريا ضد نظام بشار الأسد، أطلقت جماعة الإخوان حزبها السياسي من مدينة إدلب في مارس 2014، ليكون واجهة سياسية للجماعة في سوريا، في محاولة للتواجد في أي ترتيبات سياسية مستقبلية.
طریقة التعاطی مع فکرة حمل السلاح
ومما سبق يمكن تحديد طريقة تعاطي الإخوان مع فكرة حمل السلاح على النحو التالي:
- يسيطر على جماعة الإخوان المسلمين في سوريا "الفكر الجماعاتي"، وهو يعتمد على إمكانية تشكيل حزب سياسي كواجهة لها في العمل السياسي أو أي كيانات أخرى تعمل في إطار الجماعة، فضلا عن إمكانية دعم جماعات مسلحة والتقارب معها.
- لجوء جماعة الإخوان المسلمين إلى تشكيل كتائب مسلحة أو على الأقل دعم أخرى والتقارب والتنسيق معها، وسيلة للتواجد على الساحة في ضوء المواجهات بين القوات النظامية المؤيدة لبشار والفصائل المسلحة على اختلافها.
- فشل الحلول السياسية حتى الآن في إزاحة نظام بشار الأسد، وعدم وجود بوادر للحل السلمي يلوح في الأفق، يجعل الجماعة تحدث نوعا من التقارب مع الجماعات المتواجدة، وإبداء رغبتها في مزيد من التنسيق.
- تواجه جماعة الإخوان المسلمين إشكالية في ضوء سيطرة الفكر الجماعاتي، لناحية عدم التركيز على منحى واحد سواء العمل المسلح والتقارب مع فصائل موجودة على الساحة السورية، أو اللجوء إلى العمل السياسي وتشكيل الأحزاب.
- لجأت الجماعة إلى تأسيس حزب سياسي، لتكون في دائرة الضوء لما بعد إسقاط الأسد.
- تعتمد الجماعة على المراوغة والتناقض، في مسألة حمل السلاح أوالدعم والتقارب مع جماعات مسلحة على الساحة السورية، وتعلن تشكيل كتائب، ثم نفي الأمر، فالتأكيد على وجود تنسيق فقط، ثم الدعوة للتقارب سياسيا وعسكريا مع فصائل أخرى مثل أحرار الشام، وهو اعتراف ضمني بأن لها على الأقل تأثير على فصائل تسير في ركبها.
- تخشى جماعة الإخوان من وضعها في قوائم المنظمات الإرهابية من خلال النفي الواضح والصريح بعدم تشكيل كتائب مسلحة أو حتى توجيه الدعم المالي لها، في حين أن تصريحات قياداتها السابقين والحاليين تؤكد وجود تقارب وعلاقة مع فصائل مسلحة.
مستقبل العلاقة بين جماعة الإخوان والفصائل المسلحة فی سوریا:
يمكن التنبؤ بمستقبل العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والفصائل والجماعات المسلحة في سوريا، في ضوء انسداد الرؤية السياسية السلمية لحل القضية، وخلفيات التقارب بين عدد من الفصائل، على النحو التالي:
- كلما تأزمت الأوضاع مع انسداد الحلول السياسية السلمية، كانت جماعة الإخوان المسلمين أقرب إلى مسألة الدعوة لقتارب مع فصائل مسلحة على الساحة السورية.
- في حالة وجود انفراجة في الأزمة السورية لناحية الحل السلمي، فإن هذا التقارب قد يتراجع بشكل كبير، خاصة لو كانت الجماعة في مقدمة المسؤولين والنافذين في إدارة سوريا ما بعد سقوط الأسد.
- التقارب والتعاون بين جماعة الإخوان والفصائل المسلحة، يقتصر بشكل كبير على تلك الجماعات التي تقترب من الجماعة فكريا ولديها قبول لها مثل حديث الجماعة عن "أحرار الشام".
- من الصعوبة بمكان وفقا للاختلافات الفكرية والمنهجية وحتى في الرؤى الحركية، بين جماعة الإخوان والتنظيمات التي تنتمي إلى السلفية الجهادية أو الفكر الجهادي مثل "الدولة الإسلامية" و"النصرة"، أن يكون هناك تقارب على المستوى القريب، وبالتالي على المستوى البعيد، لناحية سعى الجماعة إلى قيام دولة ديمقراطية، والتنظيمات المشار إليها سلفا تريد إقامة دولة إسلامية بعيدة عن الديمقراطية.