اقرأ في هذا المقال

فرغم هذه العلاقة الشائكة بين العرب والغرب فإن الدكتور القرضاوي يرى أنه لزام على العرب والمسلمين ألا يغلقوا الأبواب دون التواصل مع الغرب.

فضرورة الحياة تقتضي أن يتعايش الناس بعضهم مع بعض، ونحن المسلمين ليس عندنا مانع من ديننا أن نعايش الآخرين ما داموا يقرون بحقنا في الحياة

فأول ما نشترط: أن يتخلى عن عداوته لنا، عداوته التي تحركها الأحقاد القديمة، والمخاوف الجديدة.

ليس من العدل، وليس من الخير، وليس من النافع، ولا من المصلحة أن يحكم اللادينيون والملحدون والمتحلِّلون بلاد الإسلام

الإخوان المسلمون والغرب-3 (رؤیة القرضاوی للغرب)

الإخوان المسلمون والغرب-3 (رؤیة القرضاوی للغرب)

محمد فتحي النادي

 

 

الغرب جزء للعالم

 

الدكتور القرضاوي في نظرته للغرب فإنه يدعو إلى الانفتاح على العالم كله، وما الغرب إلا جزء لا ينفصل عن هذا العالم الفسيح، لذا يقول: "نحن ليس عندنا غرب وشرق، الأصل أنَّنا ننفتح على العالم كلِّه، كل ما في الأمر أنَّ بعض المسلمين قد يتحفظون على التعامل مع الغرب، من كثرة ما أساء الغرب إلى الإسلام، ولعل ذلك من جرَّاء الصراعات الطويلة التي حدثت في الماضي، نحن نعرف الحروب الصليبية، وما جرى فيها من دماء تُسفَك، ومن حرمات تُهتَك، ومن مساجد تُدمَّر، ومن بيوت تُحرق، مما حدث مما تشيب له الولدان، وتقشعر من هوله الأبدان.

لكن هذا زمن قد مضى، ثم جاء الاستعمار الغربي الحديث، الذي احتل ديار المسلمين، لم يسلم منه إلا وطن أو وطنان، وكل بلاد المسلمين أصيبت بهذا الاستعمار، وكانت التجربة قاسية ومريرة، وظل الصراع دهرًا حتى تحررت أوطان المسلمين من الاستعمار العسكري على الأقل، وحمل الاستعمار عصاه ورحل عن أوطان الإسلام، وإن كان يحاول الآن أن يعود إلى أوطان الإسلام بوجه جديد، ولون جديد، وسلاح جديد؛ ليؤثر في الأوطان الإسلامية، ويحاول أن يجرها إلى ما يريد.

فهذه العلاقات المتوترة خلال القرون، هي التي جعلت بعض المسلمين يتحفظ من الانفتاح على الغرب، ويرى في الغرب عدوًّا لدودًا، وخصوصًا في الأزمنة الأخيرة، حيث وقف الغرب ضد قضايا المسلمين المختلفة، كلما وُجدت قضية إسلامية وجدنا الغرب يقف ضدها.

وأعظمها وأبرزها ولا شك، قضية المسلمين المحورية، قضية المسلمين الأولي، قضية فلسطين، أرض النبوات، وأرض المقدسات، أرض المسجد الأقصى، وجدنا الغرب يقف مع الصهيونية العالمية، بل هو الذي زرع هذه الصهيونية، ورعاها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، حتى قامت إسرائيل، وأعلن الغرب أنَّ إسرائيل خُلقت لتبقى، ولا زال الغرب هو الذي يمد إسرائيل إلى اليوم، هذه الأشياء جعلت بعض المسلمين يتحفظ على التعامل مع الغرب"([1]).

البشریة کلها أسرة واحدة

 

فرغم هذه العلاقة الشائكة بين العرب والغرب فإن الدكتور القرضاوي يرى أنه لزام على العرب والمسلمين ألا يغلقوا الأبواب دون التواصل مع الغرب.

ويبرر لذلك أنه يعتقد "أنَّ البشرية كلَّها أسرة واحدة"، ويستطرد قائلاً: "هذه هي فلسفة الإسلام، ينظر إلى البشرية باعتبارها أسرة آدمية، جمع بينها عاملان أساسيان: العبودية لله، والبنوة لآدم.

الإسلام ينظر إلى البشرية هذه النظرة الإنسانية، ويعتبر أنَّ هناك أخوة إنسانية تجمع بين البشر"([2]).

وعنده الانفتاح على الآخر ومحاورته يكون عن طريق المجادلة بالتي هي أحسن، فنحن -حسب قوله: "مطالبون أن نحاور العالم بأرق الأساليب وألطفها ما استطعنا.

والعجيب أن الله يقول في دعوة المسلمين:  ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: 125]، اكتفى في الموعظة أن تكون حسنة، ولم يكتف في الجدال إلا بأن يكون بالتي هي أحسن.

لماذا؟

لأن الموعظة مع الموافقين، والجدال مع المخالفين، هذا -أيضًا- من الأمور المطلوبة مع غير المسلمين"([3]).

ويرى القرضاوي أن طبيعة العصر ملزمة على التواصل بين الشرق والغرب، لاسيما وأن الغرب فتح أبوابه لأبناء الشرق تعليمًا وتوطينًا وعملاً ... إلخ، فيقول: "العالم لم يعد قرية كبرى، بل أصبح قرية صغرى، القرية الكبرى لم يدر الناس في شرقها بما يدور في غربها، إنما الآن نحن نعلم ما يحدث في العالم بعد لحظات، وأحيانًا نتابع الأحداث وهي تحدث في التَّوِّ واللحظة، نتابعها على التلفاز، فالعالم أصبح قرية صغرى، وهذا يوجب على الناس أن يحسنوا التعايش بينهم، ضرورة التعايش بين الناس بعضهم وبعض، لم يعد أحد يستغني عن أحد.

هنا في بريطانيا كثير من العرب ومن المسلمين، من أهل الشرق الذين جاءوا للدراسة والذين جاءوا للعلاج، والذين جاءوا فرارًا من الاضطهاد في بلادهم، والذين جاءوا للعمل، والذين جاءوا لغير ذلك، وفي كل بلد من بلدان العالم، فما عاد هناك إمكانية للانعزال، من يفكر في العزلة فهو يفكر تفكيرًا غير إيجابي، وغير سليم وغير بناء وغير واقعي.

فضرورة الحياة تقتضي أن يتعايش الناس بعضهم مع بعض، ونحن المسلمين ليس عندنا مانع من ديننا أن نعايش الآخرين ما داموا يقرون بحقنا في الحياة"([4]).

شروط الانفتاح

 

ولكن الدكتور القرضاوي وضع شروطًا لهذا الانفتاح، فقال: "تحدثنا عن مقتضيات الانفتاح، فلا بد أن نتحدث عن شروط الانفتاح، وهي شروط في الحقيقة ليست لإيجاد الانفتاح، ولكنها شروط لنجاح الانفتاح، لينجح الانفتاح بيننا وبين الغرب لا بد أولاً:

أن يتخلَّى الغرب عن عداوته للإسلام:

 

الغرب -للأسف- تحكمه أحقاد قديمة، مخاوف جديدة بالنسبة لنا، الأحقاد الصليبية لا زالت تحكم الغرب، وهذه أحيانًا يكتمها السياسيون ويعبر عنها العسكريون. هذه الروح -للأسف- لا تزال موجودة عند كثير من الغربيين.

مخاوف الغرب من صحوة الإسلام:

 

ثم أضيف إلى ذلك: المخاوف من صحوة الإسلام، ومن نهضة الأمة الإسلامية، يرحب الغربيون بنهضات وصحوات الأمم المختلفة، إلا بالصحوة الإسلامية، يخافون من صحوة الإسلام.

لماذا هذا؟ لماذا لا يكون كما قال (جاروديه): حوار الحضارات، وليس صدام الحضارات، ولا صراع الحضارات؟ وهل هو صراع فكري ثقافي؟ أم صراع عسكري سياسي؟ إن كان صراع فكر لفكر، فلا مانع من هذا، فنحن نرحب بأي صراع فكري، وكل إنسان يدلي بما عنده، ويقيم حجته، أمَّا إذا كان الصراع تتدخل فيه القوة، وغرور القوة، وفرض الحضارة على الآخرين بالقوة المادية، وبالسلاح القهري، فهذا ما نرفضه.

لقد سموا الإسلام (الخطر الأخضر)؛ لأنه بعد أن زال (الخطر الأحمر) بانهيار الاتحاد السوفيتي، وتقاربوا مع (الخطر الأصفر)، الخطر الصيني، لم يبق إلا (الخطر الأخضر) كما سموه، ويعنون به الخطر الإسلامي.

ونحن نقول: الإسلام ليس خطرًا، الإسلام رحمة الله للعالمين، الإسلام خطر على المادية والإلحاد، وخطر على الظلم والاستعباد، وخطر على الإباحية والفساد، ولكنه ليس خطرًا على الإنسانية، وليس خطرًا على القيم والفضائل، وليس خطرًا على العدالة والحرية وحقوق الإنسان.

نحن نريد من الغرب إذا كان يريد أن ننفتح عليه انفتاح الند للند، وأن نتعاون معًا لبناء مستقبل جديد للبشرية، نتعاون فيه على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان، فأول ما نشترط: أن يتخلى عن عداوته لنا، عداوته التي تحركها الأحقاد القديمة، والمخاوف الجديدة.

أن يتخلى الغرب عن أطماعه فينا:

 

ونريد من الغرب -أيضًا- أن يتخلى عن أطماعه فينا، فقد انتهى عصر الاستعمار، يكفي الغرب ما نهب من ثرواتنا، وما أخذ من بلادنا، ولنبدأ حياة جديدة، لو طالبْنا الغرب بما أخذه من بلادنا لأفلس، ولكننا لا نطالبه، فما فات مات، إنما نبدأ صفحة جديدة، فليتخلى الغرب عن أطماعه في ثرواتنا، الغرب يريد أن يأخذ ثرواتنا بأرخص الأسعار، ثم يصنعها ويعيدها إلينا ليبيعها لنا بأغلى الأسعار.

الغرب، يريد أن يأخذ (البترول)، هذه الثروة التي يملكها العرب والمسلمون، بأقل ما يمكن، ثم يصنعها ويعيدها ليبيعها لهم بأغلى ما يمكن، فهل هذا عدل؟

نحن نريد من الغرب إذا كنا نريد أن ينفتح بعضنا على بعض، أن يكون عادلاً في تعامله الاقتصادي معنا.

أن يتخلى الغرب عن استعلائه علينا:

 

من ناحية أخرى نريد من الغرب أن يتخلى عن استعلائه علينا، الغرب ينظر إلى نفسه أنَّه سيد العالم، حتى التاريخ يريد الغرب أن يقسمه ويصنفه على أساس غربي: (العصور القديمة،  والعصور الوسطى- عصور الظلام- والعصور الحديثة)، ويجعلنا نحن في العصور الوسطى، العصور الذهبية الإسلامية التي أقامت حضارة شامخة، جمعت بين العلم والإيمان، وبين الرقي الحضاري والسمو الأخلاقي، ومزجت بين الروح والمادة، وربطت الأرض بالسماء، هذه الفترة الذهبية أدخلوها في القرون الوسطى قرون الظلام.

نريد من الغرب أن يتخلى عن النظرة الاستعلائية التي كانت عند الرومان قديمًا، حينما قسموا العالم إلى: (رومان، وبرابرة)، كل من عدا الرومان هم برابرة ومتوحشون، لا يجوز هذا، فهناك أناس لهم حضارات، وأناس لهم رسالات، وأناس لهم فلسفات، وأناس لهم تاريخ، وتاريخ عريق كالأمة الإسلامية، فالأمة الإسلامية هذه ليست أمة عائمة، أو قريبة القاع، أو سطحية الجذور، لا، إنها أمة عميقة الجذور، في أرضها نبتت الرسالات.

من حقنا أن نحقق ذاتيتنا في أرضنا، المُشْكل أن الغرب لا يريد لنا أن نقيم إسلامنا ورسالتنا الإسلامية، حتى على أرضنا الإسلامية، ويزعجه هذا ويقلقه جدًّا، ما الذي يزعجكم -أيها الغربيون- أن يُحكِّم المسلمون إسلامهم على أبنائهم وبناتهم في ديارهم وأوطانهم؟

ليس من العدل، وليس من الخير، وليس من النافع، ولا من المصلحة أن يحكم اللادينيون والملحدون والمتحلِّلون بلاد الإسلام، بالعكس أن يحكم بلادَ الإسلام أهلُ الدين والقيم والأخلاق والفضائل، وتتعاملوا مع أناس يحترمون عهودهم ومواثيقهم، ويتعاملون مع البشر بأخلاقيات، أناس يقدرون القيم والأخلاق، رسالتهم رسالة أخلاقية.

نريد من الغرب أن يعترف برسالتنا وذاتيتنا وهُويَّتنا، أن يعترف أنَّنا أصحاب هُويَّة متميزة، من حقنا أن نعيش بها، وأن نعيش لها، وأن نموت عليها، وما يضره هذا.

نريد من الغرب، أن يعترف بحقوقنا، ولا يقف ضد حقوقنا، ولا يمالئ علينا أعداءنا، كما فعل مع الصهيونية الإسرائيلية، ولا زال يفعل إلى اليوم، وكما نراه في كل قضية، كقضية البوسنة والهرسك، وفي قضية كوسوفو، لو كان ما يقع للمسلمين يقع لبلد غير إسلامي لخف الغرب لنصرته، وسارع إلى نجدته، وأنقذ المستضعفين، ووقف ضد المعتدين، ولكنه لا يفعل ذلك بالنسبة للمسلمين.

التسامح اختراع إسلامي

 

نحن نطالب الغرب إذا كان يريد أن نعيش معًا في أسرة بشرية متعاونة متسامحة، ونحن دعاة التسامح، كان شيخنا (الشيخ محمد الغزالي)، رحمه الله يقول: التسامح هذا هو اختراع إسلامي. فالمسلمون هم الذين اخترعوا التسامح، لم يُعرف التسامح إلا عند المسلمين، فنحن دعاة التسامح، لسنا متعصبين كما يحاولون أن يصورونا، وإذا شوهد بعض المسلمين المتعصبين فمعظم هذا التعصب دفع إليه تعسف الغرب وظلمه، ووقوفه ضد قضايانا باستمرار، ولو أنصف الغرب ما وُجد هذا التعصب"([5]).

والدكتور القرضاوي الآن ممنوع من دخول بعض الدول الأوروبية، وقد رفضت بريطانيا في سنة 2008م منحه تأشيرة الدخول إلى أراضيها، وكذا فرنسا اتبعت الفعل نفسه معه.

وبعد الانقلاب على الدكتور مرسي اتهمته الحكومة الانقلابية، وعلى إثرها نشرت الشرطة الدولية (الإنتربول)، على موقعها على الإنترنت، إدراج العلامة الشيخ يوسف القرضاوي على قوائمها، ومنحه تصنيف (اللون الأحمر)، وأنه مطلوب للتوقيف والبحث عنه أو احتجازه بشكل مؤقت، تمهيدًا لتسليمه لبلده -مصر- استنادًا إلى مذكرة توقيف.

 

 

([1]) د. يوسف القرضاوي: الانفتاح على الغرب مقتضياته وشروطه، ص(3).

([2]) السابق، نفس الصفحة.

([3]) السابق، ص(9-10).

([4]) السابق، ص(11-12) باختصار.

([5]) السابق، ص(13-16) باختصار.

Powered by TayaCMS