اقرأ في هذا المقال

لذلك لا نستغرب احتضان الحركة الإسلاميّة التّونسيّة لخليط غير متجانس من الأفكار و القناعات التي تتراوح بين " الثوريّة و الإصلاحيّة ، التّقليديّة والاجتهاديّة ، الماضويّة و الحداثيّة ، التّماميّة والانفتاحيّة ، الحَرفيّة و المقاصديّة ...

برز عنوان سياسي رفعه بعض أبناء الحركة و حتى جزء من قيادتها و إن كان بصيغ مختلفة و لكن ملخصه فكرة رئيسية هي ثنائية الجبة الإخوانية و قميص أردوغان .

. الخط السياسي الذي تتبناه النهضة ينادي بالديمقراطية و التعددية السياسية و التداول السلمي على السلطة. يؤمن بأن الدولة هي مؤسسة مدنية و ليست دينية (تيوقراطية).

إذ أنه لا يمكن نقل التجربة العدالة و التنمية التركي  لتونس عن طريقة "القص و اللصق"

قراءة حركة النهضة من الداخل -1

قراءة من الداخل

في العقل السياسي لحركة النهضة-1

محمد العقربي

 

توطئة

 

حركة النهضة  في تونس واقع بشري و سياسي لا يمكن بأيّ حال من الأحوال التعاطي معه كظاهرة أو حالة معزولة عن سياق تاريخ و حضاري مركب يشترك فيه الذاتي و الموضوعي و يتشابك مع تراث الأمة والتراث الإنساني عموما و مهما كان تقيمنا للحركة و أداء المنتمين إليها طيلة العشريّات الفارطة ، فمن واجب المتابعين للشّأن التّونسي العام سواء كانوا من دعاة و أنصار الإسلام السّياسي أومن خصومه أن يسائلوا هذا التيّار و يدفعوه للإفصاح عمّا في ضميره من تصوّرات ورؤى تعبّر عن وعيه الجمعي بعيدا عمّا تقتضيه السّياسة من تصريحات ظرفيّة أو خطابات قد لا تعكس تقدّما حقيقيا في تمثّل قضايا الواقع و رهاناته.

 

كما تجدر الإشارة و نحن بصدد البحث إلى التجني الذي وقع على حركة النهضة و على مناضليها حين تختزل التجربة في شخص رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي و تقدم الحركة على أنها حركة الزعيم و القاعدة الحزبية، في حين أثبتت الحركة من خلال سلوكها النضالي منذ التأسيس إلى الآن أنها حركة غير قابلة للتنميط و شريحة كبيرة من مناضليها  مناضليها حالة استنهاض للسؤال و مكاشفة باستمرار و لا يقبلون التقطيع ( من القطيع )  

 

و هذا البحث محاولة لرصد الحوار النهضوي النهضوي حول مسائل مختلفة في اتجاهاتها العامة و لكن تلتقي فوق منصة واحدة تشكل احدى تمظهرات العقل السياسي داخل حركة النهضة و مدى قدرته في صناعة القرار و كذلك هي محاولة لاستنطاق هذا العقل بعيدا عن إطلاق أحكاما قيمية من خلال أسئلة رافقت تاريخيا حركة النهضة منذ إعلانها سنة 1981 كحزب سياسي و كذلك جملة الأطر التأصيلية و السياسية التي تحرك فيها و لازال العقل السياسي لحركة النهضة كالرؤية الفكرية و المنهج الأصولي  ( وهي وثيقة الأسس العقائدية و الأصولية للحركة ) و مشروع الأولويات ( و هو رؤية سياسية على اساسها تحدد الحركة أولوياتها و كانت دائما موضوع جدل داخلها )

 

سؤال الإزدواج

 

إنّ إثارة إشكاليّة الخطاب وإزدواجيته طبع أم تطبع عند التيّار الإسلامي في تونس ليس تهمة سياسيّة يُقصد بها الإقصاء أو التّشويش على أتباع الجسم الأمّ للحركة الإسلاميّة التّونسيّة " حركة النّهضة " بل الازدواج واقع موضوعيّ يشهد به كلّ منصف نزيه سواء من أنصار هذا التيّار أو من المتابعين المحايدين ، و لا يعبّر هذا الازدواج بالضّرورة ــ إذا ابتعدنا عن التّفسير التّآمري ــ عن سوء نيّة مبيّتة أو نفاق سياسيّ مقصود من لدن منظوري هذا الجسم السّياسي بل يعكس حالة دراماتيكيّة من التمزّق بين منظومتين قيميّتين مختلفتين و عسر اندماج العقل الحركي الذي يصدر عن مرجعيّة وسيطة في المنظومة السّياسيّة و المعرفيّة المعاصرة. إنّ مظاهر هذا الازدواج متعدّدة و تتفاوت حدّتها و دراماتيكيّتها بتفاوت أثرها في الواقع ، ولعلّ من أبرز هذه المظاهر:

 

* الازدواج التّنظيمي : الذي يشدّ أبناء هذا التيّار إلى منظومتين سياسيّتين متباينتين تقوم الأولى على الولاء السّياسي العقائدي إلى الجماعة بمقتضى عقد بيعة سرّي يؤدّيه الأعضاء ــ المختارون وفق اعتبارات خاصّة ــ و يُقسِمون فيه على الطّاعة و الولاء، بينما يقوم الثّاني على حسّ مدني و انتماء سياسي علني وفق القناعات الذّاتيّة واعتبارات المصلحة الاجتماعيّة تنظّمه القوانين والأعراف و يخضع للمساءلة والمتابعة من الرّأي العامّ.

 

* {الازدواج}السريّة و العلنيّة : و هما من مظاهر الازدواج التنظيمي، و من تبعاتهما وجود هياكل معلنة لا تعدو أن تكون في غالب الأحوال واجهة للمخفيّ و تفتقد لسلطة القرار والتّنفيذ و أخرى سريّة تُحسم في داخلها الخطط و القرارات وفق تراتبيّة تنظيميّة تعكس واقع الاستلاب التنظيمي و تحول دون تبادل الخبرات و النّقد و مراكمة الفعل السّياسي.

إنّ التعلّل بالوضع السّياسي لا يستقيم حسب تقديرنا بأيّ حال من الأحوال لتبرير هذا الازدواج لأنّه إن كان لا بدّ في السّياسة من النّضال و التّضحية فإنّ السّلوك السّياسي المدني العلني أحرى أن تُخاض من أجله النّضالات التّضحيات.

 

* الازدواج الفكري : كثيرا ما يشيد المتابعون لخطاب الحركات الإسلامية في الوطن العربي بتطوّر ذلكم الخطاب في تونس و هو تقويم غير دقيق حسب تقديرنا لعدم توفّر المعطيات التي تؤكّد أنّه يعكس وعيا جمعيّا بل قصارى ما يعبّر عنه بعض الفلتات هنا و هناك صيغ بعضها في سياق إكراهات سياسيّة عَجِلَة فضلا عن أنّ واقع السريّة وانعدام الحوار الجماعي بين منظوري هذا التيّار لا يسمح بتبيّن صدقيّة التطوّر الحاصل، لذلك لا نستغرب احتضان الحركة الإسلاميّة التّونسيّة لخليط غير متجانس من الأفكار و القناعات التي تتراوح بين " الثوريّة و الإصلاحيّة ، التّقليديّة والاجتهاديّة ، الماضويّة و الحداثيّة ، التّماميّة والانفتاحيّة ، الحَرفيّة و المقاصديّة ... " و تنكشف هذه التّناقضات كلّما طرحت في السّاحة مسألة فكريّة أو سياسيّة خلافيّة. و لا يعبّر هذا الخليط حسب تقديرنا عن تنوّع و تعدّد في المقاربات بقدر ما يعكس تداخلا وتراكما غير منظّم للمرجعيّات و المفاهيم و المصطلحات، ويزداد الوضع تأزّما إذا صدر هذا التّداخل العجيب عن صاحب الخطاب الواحد حسب مقتضيات السّياق.

فهل بإمكان أبناء التيّار الإسلامي التّونسي الانفلات من الحلقة المفرغة العبثيّة لهذا الازدواج و تنفّس هواء نقيّ تحت شمس تونس السّاطعة بعيدا عن رطوبة الخلايا السريّة و حلقات الشّيوخ العارفين ؟

 

سؤال المنهج

 

لا يمكن أن ينكر إلا مكابر أو مغالط معاند أنّ التيّار الإسلامي في تونس رغم إعلانه منذ تأسيسه عن تبنّي النّهج الإصلاحي السّلمي في التّغيير ــ عبر الوسائل الدّعويّة والتربويّة و الثّقافيّة والخيار السّياسي الدّيمقراطي ــ فقد راهن في المقابل مثله مثل غيره من حركات التحرّر اليساريّة و القوميّة على الخطّ الثّوري العنيف باعتباره إحدى خيارات التّغيير المطروحة أمامه إذا فشلت الخيارات الأخرى. و كان لهذا التردّد بين الخيارين تبعاته المدمّرة طيلة العقود الاربعة الفارطة. إنّ الخط السياسي الذي انتهجه من كانوا في موقع القرار كان يمر بإنسيابية مع حالة قابليّةُ قواعد التيّار الإسلامي للامتثال و الانقياد " بفضل " عقد الطّاعة السّياسيّة الذي كان يربطهم بالتّنظيم و خطاب التّعبئة والشّحن العاطفي و هو المناخ الذي احتضن الصراع بين السلطة بمكوناتها المختلفة الأمنية و الإدارية و الإجتماعية من جهة و حركة النهضة من جهة ثانية ممّا أفضى في نهاية الأمر إلى كارثة إنسانيّة واجتماعيّة لم تشهد تونس مثلها في تاريخها المعاصر : آلاف من السّجناء و الفارّين و المهمّشين والمُفَقَّرين والمقصيّين و المقموعين و المقهورين و المرضى و المعاقين و المحبطين وفاقدي السّند و من قضوا نحبهم ... و لا يُسأل عن هؤلاء أصحاب القرار في المؤسّسات الرّسميّة و من اقترفت أيديهم الآثام فحسب بل كذلك أصحاب القرار من داخل التيّار الإسلامي نفسه الذين قدّموا المسوّغات الموضوعيّة لانتهاج السّياسة الأمنيّة من طرف الدّولة. إنّ ما يُنشر من حين لآخر تحت عنوان النّقد الذّاتي ليس بالعمق و الشّفافيّة التي تفضي إلى مصالحة مع الذّات و المجتمع إن هي في واقع الأمر إلاّ ضرب من التّرقيع و لملمة الأمور بشكل لا يفي بمتطلّبات المصالحة مع الذّات و التّاريخ.

فهل بإمكان أبناء التيّار الإسلامي اليوم تجاوز مشاعر الإحباط و الإحساس بالغبن للمساهمة من جديد في الفعل الاجتماعي المدني السّلمي للمساهمة مع غيرهم في ترسيخ قيم المواطنة و الحريّات العامّة و الأساسيّة و الذّود عنها ضمن المتاح راهنا و الخروج من حالة الموت السّريري و الحضور الزّائف في واجهات الإعلام ؟

 

سؤال التغيير

 

عادة ما تتهافت الحركات السّياسيّة التي لا تمتلك مشروعا مجتمعيّا واضح المعالم على حضور مجهريّ على هامش دوائر القرار الرّسمي و ذلك لتُثبّت وجودها باعتبارها واقعة سياسيّة. أمّا الحركات التي تزعم امتلاك مشروع بديل و تصوّر شموليّ ــ مثل الحركة الإسلاميّة ــ فالأصل أن لا تعرض نفسها على محكّ المعترك السّياسي حتّى تمتلك شروط النّضج و البدائل الجديّة التي تعكس إرادة منظوريها و وعيهم و تحظى بقبولهم و حماسهم للفعل في إطارها في أجواء من الشّفافيّة و الدّيمقراطيّة، و يتطلّب كلّ ذلك بالنّسبة إلى التيّار الإسلامي التّونسي حسب تقديرنا التخفّف ما أمكن من رهانات الفعل السّياسي المباشر و ما يقتضيه من تنظّم و تنافس و تدافع لفائدة استنفار كلّ الطّاقات الوطنيّة من داخل هذا التيّار أو خارجه للانخراط بجديّة و فاعليّة في استئناف مشروع التّنوير الذي دشّنته الحركة الإصلاحيّة في تونس إبّان القرن 19 م على اختلاف مكوّناتها عوض الارتهان إلى وعي حركي وافد و أدبيّات سياسيّة ليست في نهاية الأمر سوى استجابة تاريخيّة موضوعيّة لحاجات الواقع الذي أنتجها والإكراهات التي فرضت عليه ( المشرق )

لقد كان يفترض أن يكون استبدال التيّار الإسلامي التّونسي اسم حركة الاتّجاه الإسلامي باسم حركة النّهضة ( أواخر الثمانينات )  نقلة نوعيّة في الوعي بمسألة الإصلاح و التّنوير و ما يتطلّبانه من استنفار كلّ الطّاقات للمساهمة في استئناف حركة الإصلاح و النّهوض ، لكن يبدو أنّ العمليّة لم تكن إلاّ مجرّد استجابة لإكراهات سياسيّة و محاولة لمحاكاة خطاب حركة النّهضة العربيّة الذي أنتجه أجيال من العلماء و المفكّرين الأفذاذ الذين بقوا مجهولين أو متّهمين لدى القاعدة الواسعة من أبناء الحركة و قياداتها

إنّ انتهاج مسلك القفز على الواقع و حرق المراحل و المراهنة على أنّ " الله يزع بالسّلطان ما لا يزع بالقرآن " هو ضرب من التّهافت أوقع بدعاته حسب رأي بعض الإسلاميين في التّلفيق والتّرقيع و الدّغمائيّة والازدواج و ملاحقة الواقع عوض صنعه حتّى إذا توفّرت فرصة الارتقاء إلى موقع النّفوذ و التّنفيذ كانت الكارثة التي تعود بالويل على أولئك الذين أُرِيدَ إنقاذُهم . إنّ المراهنة على أولويّة الثّقافي على السّياسي ليست استقالة سياسيّة و لا هروبا من الفعل في الواقع بل احترام للذّات و ادّخار لرصيدها و طاقاتها على الفعل في المستقبل بعد استجماع شروط النّضج و الوعي بمتطلّبات الواقع

فهل بإمكان أبناء التيّار الإسلامي أن ينخرطوا في مسار الإصلاح والنّقد والإبداع والاجتهاد النّوعي والتّجديد الفكري بعيدا عن المهاترات السّياسويّة الدّغمائيّة التي تحرّكها الغرائز وأحلام الواقفين على الأطلال لاستعادة الرّصيد القديم، وأن يجتهدوا للمشاركة مع الجميع في استئناف مشروع النّهضة ؟

 

سؤال من لحظة الثورة

 

بعد استئناف حركة النهضة لنشاطها العلني في تونس بعد الثورة و عودة قيادات المهجر وتكوين الهيئة التأسيسية و حصول الحركة على تأشيرة العمل الحزبي في آّذار-مارس 2011 برز عنوان سياسي رفعه بعض أبناء الحركة و حتى جزء من قيادتها و إن كان بصيغ مختلفة و لكن ملخصه فكرة رئيسية هي ثنائية الجبة الإخوانية و قميص أردوغان .

مما دفع العديد من مناضلي حركة النهضة إلى سحب الفكرة للمساءلة و طرحها إشكاليا لا سرديا و بالتالي يتم التعاطي معها جدليا لا كما ذهب البعض من أبناء الحركة لاعتبارها مسلمة

إذ يعتبر هؤلاء أن من يرى المشروع الإسلامي التركي اليوم و يختزل نجاحاته في تركيا الترويكا (اردوغان-غل-اوغلو) هو كمن يرى من جبل الثلج إلا جزءه العائم. التجربة التركية الإسلامية شديدة التجذر و ترجع إلى أيام عدنان مندريس

 إلا أن الحركات الإسلامية في العالم العربي تصر على اعتبارحزب العدالة و التنمية حزبا إسلاميا و تريد دائماً تسويق نفسها ك"أحزاب عدالة و تنمية" محلية.

صحيح أن حزب/حركة النهضة يعيش مخاض عسير بسبب تحولها من منطق الحركة الاديولوجية الجامعة إلى منطق الحزب السياسي، كما أنها لازالت تتحسس طريقها في هذا النور بعد سنوات الظلمة و العمل في ظل دكتاتورية بن علي. لذلك نلمس بعض الضبابية في خطابها السياسي مرده تنوع " هوية " قيادييها - إن جاز التعبير - من أبناء الجناح الدعوي (الشيخ اللوز، الشيخ شورو...) إلى أبناء الجناح السياسي ( سمير ديلو، نور الدين البحيري، عامر العريض، فتحي العيادي...) (مع الإشارة إلى كون الشيخ راشد الغنوشي الوحيد بين رموز الحركة الذي نجح في التوفيق بين المربعات السياسية و الدعوية). لكن المتابع بدقة لخيارات و مواقف الحزب/الحركة اليوم يلحظ أنها  ذاهبة لحسم أمرها نحو فلسفة الحزب السياسي المدني ذي المرجعية الإسلامية. حزب سياسي إسلامي تونسي يؤمن بقيم المحافظة على الصعيد السياسي و المجتمعي و مع إتجاه واضح نحو ليبرالية إقتصادية. الخط السياسي الذي تتبناه النهضة ينادي بالديمقراطية و التعددية السياسية و التداول السلمي على السلطة. يؤمن بأن الدولة هي مؤسسة مدنية و ليست دينية (تيوقراطية). ينادي بالمواطنة و حقوق الإنسان و يدعو إلى تعزيز قوى المجتمع و تحديد سلطة الدولة. هي حزب سياسي إسلامي إصلاحي يسعى إلى تعزيز موقع قيم الإسلام في الحياة السياسية بوسائل سلمية و تدريجية. و

هي ترى أن مشاكل التنزيل تحل في إطار الممارسة و إلا فقدت الأحزاب الإسلامية مبرر وجودها. فما جدوى وجود المشروع الإسلامي إذا كنا نعيش في مجتمع مثالي أشبه إلى مجتمع المدينة؟ وظيفة الحزب و السياسي الإسلامي إذاً هي أساساً في تنزيل مشاريعه الأيديولوجية و الفكرية لا مجرد التنظير و الوقوف على الربوة بتعلة أن الدولة لم تستوفي شروط "اسلاميتها". و حتى يستطيع فعل ذلك يجب عليه أن يلامس الواقع المعاش و يتعامل معه كما هو آملاً في تغييره في إطار التدافع السياسي الديمقراطي في البلاد. و هو ما قد يعطي إنطباعا لدى شباب و قواعد الحركة/الحزب بتبني القيادة لطروحات حزب عدالة و التنمية. إنطباع قد يكون صحيح أو مغالط. حقيقةً لا أعلم بما أني لست ملماً بكل المعطيات التي تجعلني على بينة من أمري. 

و أنه لمن التعسف القول أن النهضة يمكن أن تكون حزب العدالة و التنمية لإعتبارات عراقة التجربة الحزبية التركية و لحداثة عهد حركة النهضة بالعمل السياسي و للإختلاف التنظيمي و السوسيو-سياسي لأبناء الحركة و أبناء المشروع الإسلامي التونسي عن نظرائهم الأتراك. الأقرب للواقع هو مقارنة حركة النهضة بالميلي ڨوروش. فالشيخ راشد الغنوشي أقرب ليكون "اربكان تونس" منه ليكون "اردوغانها". و نفس الأمر ينطبق على قيادات الحزب. إذ أنه لا يمكن نقل التجربة العدالة و التنمية التركي  لتونس عن طريقة "القص و اللصق" . فكما لاحظنا السياقات غير السياقات و الرجال غير الرجال و البيئة غير البيئة. النموذج التركي ليس نموذجا للمحاكاة والاحتذاء ، بقدر ما هو حالة من حالات النجاح والانتصار الإسلامي على السياقات المغايرة والبنى والتوازنات المعادية في الداخل والخارج. و شق محترم من أبناء حزب حركة النهضة يعلم جيداً انه حزب سياسي ذا مرجعية إسلامية و يرى حزب/حركة النهضة  وسيلة لا غاية في حد ذاتها. وسيلة لتحقيق المشروع الإسلامي العتيد في تونس . يعني البعد الاديولوجي حاضر و بقوة في مشروع الحزب/الحركة عكس التجربة التركية التي قطعت نهائياً مع الايديولوجية لصالح الواقعية السياسية.

كما يرى في حزب/حركة النهضة حزب سياسي ذا مرجعية إسلامية يشتغل في سياق مختلف عن السياق التركي، سياق فيه حرية حركة أكبر و لا تحكمه اكراهات الواقع السياسي التركي الضاغط. فلما الإحتكام إلى قواعد اللعبة التركية إذا كانت لأهل البلد ( تونس ) أفضلية الميدان؟  

التحدي الذي يراه هذا الشق نصب أعين أبناء حزب حركة النهضة هو إيجاد حل وسط أو تسوية بين الحفاظ على الخط الاديولوجي الإسلامي العريض (فكرياً، سياسياً، مجتمعياً) و بين تكتيكات اللحظة السياسية و صداع الممارسة الميدانية من إدارة لأجهزة الدولة و تحديات إيجاد برامج إقتصادية و ما إلى ذلك و يجب على الحزب أن يحسم أمر خياراته السياسية الكبرى و يخضع نفسه لسؤال اللحظة : هل حزب النهضة حزب إسلامي يحتل "يمين" الخارطة الحزبية و مركز ثقله هناك مع محاولة للتمدد نحو الوسط السياسي؟ أم أنه حزب يمين وسط محافظ قطع مع الصبغة الاديولوجية الإسلامية الكلاسيكية أم أنه يطمح ليكون حزب "الجميع" أو حزب الجماهير

 

Powered by TayaCMS