مرحلة جديدة من العداء الصريح
أسامة الصياد
نظرت السعودية إلى هذا الصعود الإخواني بعلاقة السبب والنتيجة وربطت بين فكر تيار الإخوان المسلمين والثورة التي صعدوا بعدها في كافة بلدان الربيع العربي، ومن هنا استهدف حلف الثورة المضادة جماعة الإخوان المسلمين بالمفهوم الإقليمي، هذا الحلف الذي تزعمته السعودية والإمارات وبقية دول الخليج باستثناء دولة قطر التي غردت خارج هذا السرب.
ونظرت السعودية في هذا التوقيت إلى الجماعة الأم في مصر باعتبارها الجذر الذي يُغذي الفروع والأوراق، وكذلك نظرت لأهمية مصر الاستراتيجية بالنسبة للخليج وللمنطقة بعد أن كانت السعودية ومصر في السابق جناحا الإقليم.
خشيت السعودية في ذلك الوقت من تراجع دورها الإقليمي أمام الثورة المصرية التي تمهد لإنشاء دولة ستمحي سياسات مبارك التي كانت متناغمة مع السياسة السعودية، فخشية السعودية لم تكن متعلقة بفكرة تصدير الثورة فقط أو مفهوم التغيير، وإنما من انتزاع مصر المكانة الإقليمية الأكبر بمشروع ديني إسلامي كمشروع الإخوان المسلمين إذا ما توالى في الصعود كما هو متوقع له.
عادت فكرة المنافسة تطغى في هذا التوقيت في العلاقة بين الجماعة والسعودية (من الجانب السعودي)، حيث تنظر المملكة إلى مشروع الإسلام السياسي لدى الإخوان المسلمين منذ نشأته كمشروع منافس للنمط الحاكم السعودي المعتمد على سلطة السلفية الوهابية، وعلى ذلك احتوت السعودية هذا المشروع ورسمت له إطار بحيث لا يخرج إلى مرحلة المنافسة الإقليمية، وإنما يظل في إطار جماعة متناثرة، لكن مع الثورة المصرية توافر للجماعة دولة يمكن أن تطبق فيها نموذجًا كالدولة السعودية ينافسها في الإقليم.
كما خشيت السعودية من صورة الإخوان الجديدة المصدرة للغرب كإسلام ديمقراطي منفتح يمكن أن يحكم تحت المظلة الأمريكية ويحفظ التوازن في المنطقة بدلًا من المرحلة الوهابية السابقة التي انتهت بإنتاج القاعدة.
وصول الإخوان للحكم
دفع الإخوان بمرشح للرئاسة في البداية وهو المهندس خيرت الشاطر وبعد عدم تمنكه قانونيًا من إتمام إجراءات الترشح واستبعاده، كان الإخوان المسلمين محتفظين ببديل له وهو رئيس حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي الذي خاض الانتخابات كممثل لتيار الإخوان المسلمين.
حاولت السعودية ومحور الثورة المضادة بكل الطرق منع مرشح الجماعة من الوصول إلى سدة الحكم في مصر لأنه سيستتبع تغير دراماتيكي في المشهد السياسي العربي والإسلامي بوصول جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر إلى كرسي رئاسة أكبر دولة عربية وأكثرها تأثيرًا في سياسة الإقليم الشرق أوسطي.
وعقب سجالات وجولات من الضغط والضغط المضاد بين المجلس العسكري الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين التي نجحت أن تجتذب طيف واسع من الشارع الثوري إلى جانبها، انتزعت الجماعة ورقة الرئاسة من جعبة المجلس العسكري الحاكم وأُعلن محمد مرسي رئيسًا لجمهورية مصر العربية.
وجدت السعودية نفسها أمام أمر واقع بوصول الجماعة إلى مرحلة الدولة التي لطالما عملت السعودية على منع وصول الجماعة إليها حتى لا يستند مشروع الإخوان إلى دولة، كما هو الحال في المشروع الديني السعودية المستند على دولة السعودية بتحالف أشرنا إليه في مطلع البحث بين السلطة السعودية (آل سعود) والسلطة الدينية "السلفية الوهابية".
حاولت جماعة الإخوان المسلمين التهدئة من روع السعودية، فكانت أول زيارة خارجية للرئيس محمد مرسي إلى الرياض بعد أيام من تسلمه مقاليد السلطة، على أمل إزالة الحواجز وإذابة الجليد بين المملكة والرئيس الجديد، طمعًا في دفعات اقتصادية تنقذ البلاد من وضع التدهور الاقتصادي.
فضلت السعودية تقنين مساعدتها لمصر ضمن تصورها لحصار نظام الإخوان المسلمين في مصر، ولم تسير على خطى دعم نظام مبارك بسخاء، وهو ما تسبب في أزمة اقتصادية لنظام مرسي الذي وجد نفسه أمام عقبة تحمل أعبائه دون مساعدة صديق كما كان يحدث مع مبارك.
كانت المملكة العربية السعودية على علم بمخططات إفشال محمد مرسي عن طريق الدولة العميقة من خلال شراكتها مع المؤسسة العسكرية وأجهزة الاستخبارات، وعليه فقد تماهت المملكة مع هذه المخططات، وتركت نظام مرسي ليواجه مصيره.
تركت السعودية العنان للسلطة الجديدة في مصر لمعاقبة جماعة الإخوان المسلمين أشد عقاب على فترة الصعود الماضية، بالملاحقات الأمنية والوصم بالإرهاب، والاغتيال المعنوي لدى قطاعات الشعب، وممارسة عملية تجفيف المنابع، واستهداف مفاصل الجماعة بمشروع استئصالي وليس مجرد دفع للخلف.